الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً }

وعلى التقديرين: فالفاء في قوله: { فقالوا ابنُوا } فصيحة، أي: أعثرنا عليهم فرأوا ما رأوا، ثم ماتوا، فقال بعضهم: { ابنوا عليهم }: على باب كهفهم { بُنيانًا } لئلا يتطرق إليهم الناس، ففعلوا ذلك ضنًا بمقامهم ومحافظة عليهم. ثم قالوا: { ربهم أعلمُ بهم } ، كأنهم لما عجزوا عن إدراك حقيقة حالهم من حيث النسبة، ومن حيث العدد، ومن حيث بُعد اللبث في الكهف، قالوا ذلك تفويضًا إلى علام الغيوب. أو: يكون من كلامه سبحانه ردًا لقول الخائضين في حديثهم من أولئك المتنازعين، { قال الذين غلبوا على أمرهم } ، وهو الملك والمسلمون، وكانوا غالبين في ذلك الوقت: { لنَتَّخِذَنَّ عليهم مسجدًا } ، فذكر في القصة أنه جعل على باب الكهف مسجدًا يصلي فيه. ثم وقع الخوض في عهد نبينا - عليه الصلاة والسلام - بين نصارى نجران حين قدموا المدينة، فجرى بينهم ذكر أهل الكهف وبين المسلمين في عددهم، كما قال تعالى: { سيقولون ثلاثةٌ رابعُهُم كلبهم } ، وهو قول اليعقوبية من النصارى، وكبيرهم السيد، وقيل: قالته اليهود، { ويقولون خمسة سادِسُهم كلبهُم } ، هو قول النسطورية منهم، وكبيرهم العاقب، { رجمًا بالغيب }: رميًا بالخبر من غير اطلاع على حقيقة الأمر، أو ظنًا بالغيب من غير تحقيق، { ويقولون سبعة وثامنهمْ كلبهم } ، وهو ما يقوله المسلمون بطريق التلقي من هذا الوحي، وعدم نظمه في سلك الرجم بالغيب، وتغيير سبكه بزيادة الواو المفيدة لزيادةِ تأكيد النسبة فيما بين طرفيها، يَقضي بصحته. قال تعالى: { قل } يا محمد تحقيقًا للحق، وردًا على الأولين: { ربي أعلم بعدَّتهم } أي: ربي أقوى علمًا بعدتهم، { ما يعلمهم } أي: ما يعلم عددهم { إِلا قليلٌ } من الناس، قد وفقهم الله تعالى للاطلاع عليهم بالدلائل أو بالإلهام. قال ابن عباس رضي الله عنه: " أنا من ذلك القليل " ، قال: حين وقعت الواو انقطعت العدة، وأيضًا حين سكت عنه تعالى ولم يقل: رجمًا بالغيب، علم أنه حق. وعن علي - كرم الله وجهه -: أنهم سبعة، أسماؤهم: يمليخا، وهو الذي ذهب بورقهم، ومكسيلمينيا، وهو أكبرهم والمتكلم عنهم، ومشلينا، وفي رواية الطبري: ومجْسَيْسِيا بدله، وهؤلاء أصحاب يمين الملك، وكان عن يساره: مرنوش ودبرنوش وجشاذنوس، وكان يستشير هؤلاء الستة في أمره، و السابع: الراعي الذي تبعهم حين هربوا من دقيانوس، واسمه: كفشططيوش. وذكر ابن عطية عن الطبري غير هؤلاء، وكلهم عجميون، قال: والسندُ في معرفتهم واهٍ. والله تعالى أعلم. الإشارة: عادة الحق تعالى في أوليائه أن يُخْفِيهم أولاً عن أعين الناس، رحمةً بهم إذ لو أظهرهم في البدايات لفتنوهم وردوهم إلى ما كانوا عليه، حتى إذا تخلصوا من البقايا، وتمكنوا من معرفة الحق وشهوده، أعثر عليهم من أراد سعادته ووصوله إلى حضرته ليعلموا أن وعد الله بإبقاء العدد الذين يحفظ الله بهم نظام العالم في كل زمان حق، وأنّ خراب العالم بانقراضهم، وقيام الساعة لا ريب فيه. وفي الآية تنبيه على ذم الخوض بما لا علم للعبد به، ومدح من رد العلم إلى الله في كل شيء. والله تعالى أعلم. ثمَّ نهى نبنه عن المجادلة بعد وضوح الحق

PreviousNext
1