الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } * { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } * { قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } * { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } * { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } * { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }

ووصف ناصية أبي جهل فقال:نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } [العلق: 16] يخبر أن النواصي فيها كاذبة خاطئة فعلى سبيل ما تأوّلوه يستحيل أن تكون الناصية منسوبة إلى الكذب والخطأ. والله أعلم. { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } قال النحاس: الصّراط في اللغة المنهاج الواضح والمعنى أن الله جلّ ثناؤه وإن كان يقدر على كل شيء فإنه لا يأخذهم إلا بالحق. وقيل: معناه لا خَلل في تدبيره، ولا تفاوت في خلقه سبحانه. قوله تعالى: { فَإِن تَوَلَّوْاْ } في موضع جزم فلذلك حذفت منه النون، والأصل تتولوا، فحذفت التاء لاجتماع تاءين. { فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ } بمعنى قد بيّنت لكم. { وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ } أي يهلككم ويخلق من هو أطوع له منكم يوحدونه ويعبدونه. «ويَسْتَخْلِفُ» مقطوع مما قبله فلذلك ارتفع أو معطوف على ما يجب فيما بعد الفاء من قوله: «فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ». وروي عن حفص عن عاصم «وَيَسْتَخْلِفْ» بالجزم حملاً على موضع الفاء وما بعدها مثل:وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأعراف: 186]. قوله تعالى: { وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً } أي بتوليكم وإعراضكم. { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } أي لكل شيء حافظ. «على» بمعنى اللام فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء. قوله تعالى: { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } أي عذابنا بهلاك عاد. { نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } لأن أحداً لا ينجو إلا برحمة الله تعالى، وإن كانت له أعمال صالحة. وفي صحيح مسلم والبخاريّ وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لن يُنجي أحداً منكم عملُه قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يَتغمَّدني الله برحمة منه ". وقيل: معنى «بِرَحْمَةٍ مِنَّا» بأن بيّنا لهم الهدى الذي هو رحمة. وكانوا أربعة آلاف. وقيل: ثلاثة آلاف. { وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي عذاب يوم القيامة. وقيل: هو الريح العقيم كما ذكر الله في «الذاريات» وغيرها وسيأتي. قال القُشيريّ أبو نصر: والعذاب الذي يتوعد به النبي أمته إذا حضر ينجي الله منه النبي والمؤمنين معه نعم لا يبعد أن يبتلي الله نبياً وقومه فيعمهم ببلاء فيكون ذلك عقوبة للكافرين، وتمحيصاً للمؤمنين، إذا لم يكن مما توعدهم النبي به. قوله تعالى: { وَتِلْكَ عَادٌ } ابتداء وخبر. وحكى الكسائيّ أن من العرب من لا يصرف «عاداً» فيجعله ٱسماً للقبيلة. { جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } أي كذّبوا بالمعجزات وأنكروها. { وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } يعني هودا وحده لأنه لم يرسل إليهم من الرسل سواه. ونظيره قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [المؤمنون: 51] يعني النبي صلى الله عليه وسلم وحده لأنه لم يكن في عصره رسول سواه وإنما جمع هاهنا لأن من كذّب رسولاً واحداً فقد كفر بجميع الرسل. وقيل: عصوا هوداً والرسل قبله، وكانوا بحيث لو أرسل إليهم ألف رسول لجحدوا الكل.

PreviousNext
1 2 4