الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

السادسة: الألف واللام في قوله: «الزانية والزاني» للجنس، وذلك يعطي أنها عامة في جميع الزناة. ومن قال بالجلد مع الرجم قال: السُّنة جاءت بزيادة حكم فيقام مع الجلد. وهو قول إسحاق بن رَاهْوَيْه والحسن بن أبي الحسن، وفعله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بشُرَاحة، وقد مضى في «النساء» بيانه. وقال الجمهور: هي خاصة في البكرين، واستدلوا على أنها غير عامّة بخروج العبيد والإماء منها. السابعة: نصّ الله سبحانه وتعالى على ما يجب على الزانِيَيْن إذا شُهد بذلك عليهما على ما يأتي، وأجمع العلماء على القول به. واختلفوا فيما يجب على الرجل يوجد مع المرأة في ثوب واحد فقال إسحاق بن رَاهْوَيه: يضرب كل واحد منهما مائة جلدة. وروي ذلك عن عمر وعليّ، وليس يثبت ذلك عنهما. وقال عطاء وسفيان الثَّورِيّ: يؤدّبان. وبه قال مالك وأحمد على قدر مذاهبهم في الأدب. قال ابن المنذر: والأكثر ممن رأيناه يرى على من وُجد على هذه الحال الأدبَ. وقد مضى في «هود» اختيار ما في هذه المسألة، والحمد لله وحده. الثامنة: قوله تعالى: { فَٱجْلِدُواْ } دخلت الفاء لأنه موضع أمر والأمرُ مضارع للشرط. وقال المبَرّد: فيه معنى الجزاء، أي إن زنى زانٍ فافعلوا به كذا، ولهذا دخلت الفاء وهكذاوَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } [المائدة: 38]. التاسعة: لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر الإمامُ ومن ناب منابه. وزاد مالك والشافعيّ: السادة في العبيد. قال الشافعيّ: في كل جلد وقطع. وقال مالك: في الجلد دون القطع. وقيل: الخطاب للمسلمين لأن إقامة مراسم الدين واجبة على المسلمين، ثم الإمام ينوب عنهم إذ لا يمكنهم الاجتماع على إقامة الحدود. العاشرة: أجمع العلماء على أن الجلد بالسَّوْط يجب. والسَّوْط الذي يجب أن يجلد به يكون سوطاً بين سَوْطين، لا شديداً ولا ليِّناً. وروى مالك عن زيد بن أسلم أن رجلاً اعترف على نفسه بالزنى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسَوْط، فأتَى بسَوْط مكسور، فقال: «فوق هذا» فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته، فقال: «دون هذا» فأتِي بسوط قد رُكب به ولان. فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد... الحديث. قال أبو عمر: هكذا رَوى هذا الحديثَ مرسلاً جميعُ رواة الموطّأ، ولا أعلمه يستند بهذا اللفظ بوجه من الوجوه، وقد روى معمر عن يحيـى بن أبي كثير عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله سواء. وقد تقدّم في «المائدة» ضرب عمر قُدامَة في الخمر بسوط تام. يريد وَسَطاً. الحادية عشرة: اختلف العلماء في تجريد المجلود في الزنى فقال مالك وأبو حنيفة وغيرهما: يجرّد، ويترك على المرأة ما يسترها دون ما يقيها الضرب.

PreviousNext
1 3 4 5