الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ }

قال قتادة وعطاء الخراسانيّ والحسن: نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ٱزدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. وقال أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته وصفته، { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } بإقامتهم على كفرهم. وقيل: { ٱزْدَادُواْ كُفْراً } بالذنوب التي ٱكتسبوها. وهذا ٱختيار الطبري، وهي عنده في اليهود. { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } مشكل لقوله:وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ } [الشورى: 25] فقيل: المعنى لن تقبل توبتهم عند الموت. قال النحاس: وهذا قول حسن كما قال عز وجل:وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ } [النساء: 18]. ورُوي عن الحسن وقتادة وعطاء. وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله يقبل توبة العبد مالم يُغَرْغر " وسيأتي في «النساء» بيان هذا المعنى. وقيل: { لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُم } التي كانوا عليها قبل أن يكفروا لأن الكفر قد أحبطها. وقيل: { لن تقبل توبتهم } إذا تابوا من كفرهم إلى كفر آخر وإنما تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الإسلام. وقال قطرب. هذه الآية نزلت في قوم من أهل مكة قالوا: نتربص بمحمد ريب المنون، فإن بدا لنا الرّجعة رجعنا إلى قومنا. فأنزل الله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } أي لن تقبل توبتهم وهم مقيمون على الكفر فسماها توبة غير مقبولة لأنه لم يصح من القوم عزم، والله عز وجل يقبل التوبة كلها إذا صحّ العزم.