الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } * { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }

معنى { تَبَّتْ } هلكت وخسرت، ومنه قوله - تعالى -وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ } وقوله - سبحانه -وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } وقوله { وَتَبَّ } أى وقد تب وهلك وخسر، فالجملة الأولى دعاء عليه بالهلاك والخسران، والجملة الثانية إخبار عن أن هذا الدعاء قد استجيب، وأن الخسران قد نزل به فعلا. أى خسرت وخابت يدا أبى لهب، وقد نزل هذا الهلاك والخسران به، بسبب عداوته الشديدة للحق، الذى جاء به النبى صلى الله عليه وسلم من عند ربه - سبحانه -. والمراد باليدين هنا ذاته ونفسه، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، كما فى قوله - تعالى -ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } ويجوز أن يكون المراد باليدين حقيقتهما، وذلك لأنه كان يقول يعدنى محمد صلى الله عليه وسلم بأشياء، لا أدرى أنها كائنة، يزعم أنها بعد الموت، فلم يضع فى يدى شئ من ذلك، ثم ينفخ فى يديه ويقول تبا لكما ما أرى فيكما شيئا. وقوله - سبحانه - { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } كلام مستأنف للانتقال من ذمه والدعاء عليه بالهلاك، إلى بيان أن ماله وجاهه.. لن يغنى عنه من عذاب الله - تعالى - شيئا. أى أن أبا لهب لن يغنى عنه ماله الكثير، وكسبه الوفير من حطام الدنيا.. لن يغنى عنه شيئا من عذاب الله - تعالى -، أو شيئا من انتشار رسالة الله - تعالى - فى الأرض، فإن الله - سبحانه - ناصر نبيه صلى الله عليه وسلم ومؤيده بروح منه. والتعبير بالماضى فى قوله { مَآ أَغْنَىٰ... } لتحقيق وقوع عدم الإِغناء. والراجح أن " ما " الأولى نافية، والثانية موصولة، أى ما أغنى عنه شيئا ماله الذى ورثه عن أبيه، وأيضا ما أغنى عنه شيئا ماله الذى جمعه واكتسبه هو بنفسه عن طريق التجارة وغيرها. وقوله - سبحانه - { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } بيان للعاقبة السيئة التى تنتظره، بعد هذا الذم والتأنيب والوعيد. أى سيلقى بأبى لهب فى نار شديدة الحرارة، تشوى الوجوه والأبدان، ووصف - سبحانه - النار بأنها " ذات لهب " لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وكفره، إذ هو معروف بأبى لهب، والنار موصوفة بأنها ذات لهب شديد. ثم أعقب - سبحانه - ذلك، بذم زوجه التى كانت تشاركه العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }. وقوله { وَٱمْرَأَتُهُ } معطوف على الضمير المستتر العائد على أبى لهب فى قوله { سَيَصْلَىٰ } ، وانتصاب لفظ " حمالةَ " على الذم بفعل مضمر، لأن المقصود به هنا الذم، وقرأ الجمهور { حَمَّالَةَ } - بالرفع - على أنه صفة لها، أو خبر لمبتدأ محذوف، أى هى حمالة الحطب.

السابقالتالي
2