(والمدينة): أفسوس، { فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً } قال ابن عباس وسعيد بن جبير: أحلّ ذبيحةً، لأن عامّتهم كانوا مجوساً، وفيهم قوم مؤمنون يخفون إيمانهم. قال الضحّاك: أطيب. وقال مقاتل بن حيّان: أجود. وقال يمان بن رياب: أرفص. قتادة: خير. قال عكرمة: أكثر. وأصل الزكاة الزيادة والنّماء، قال الشاعر:
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة
ولَلسبع أزكى من ثلاث وأطيب
{ فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ } أي قوت وطعام، { وَلْيَتَلَطَّفْ }: وليترفق في الشراء، وفي طريقه، وفي دخول المدينة، { وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } من الناس، أي ولا يعلمن، أي إن ظُهر عليه فلا يوقعن إخوانه فيما يقع فيه. { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ } فيعلموا بمكانكم { يَرْجُمُوكُمْ } ، قال ابن جريج: يشتموكم ويؤذوكم بالقول. ويقال: يقتلوكم. ويقال: كان من عادتهم القتل بالرجم وهو من أخبث القتل. وقيل: هو التوبيخ. ويضربوكم { أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ }: دينهم الكفر { وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً } إن عدتم إليهم. { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا } ، أي أطلعنا { عَلَيْهِمْ } ، يقال: عثرت على الشيء إذا اطّلعت عليهم، فأعثرت غيري إذا أطلعته، { لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } يعني قوم تيدوسيس، { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ } ، قال ابن عباس: تنازعوا في البنيان والمسجد، قال المسلمون: نبني عليهم مسجداً، لأنهم على ديننا، وقال المشركون: نبني عليهم بنياناً؛ لأنهم من أهل سنّتنا. وقال عكرمة: تنازعوا في الأرواح والأجساد، فقال المسلمون: البعث للأرواح والأجساد، و قال بعضهم: البعث للأرواح دون الأجساد، فبعثهم الله من رقادهم وأراهم أن البعث للأرواح والأجساد. وقيل: تنازعوا في قدر لبثهم ومكثهم. وقيل: تنازعوا في عددهم، { فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ } يعني تيدوسيس الملك وأصحابه: { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً } ، وقيل: الذين تغلبوا على أمرهم، وهم المؤمنون. وهذا يرجع إلى الأوّل. { سيقولون ثلثة } وذلك أن السيد والعاقب وأصحابهما من نصارى أهل نجران كانوا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فجرى ذكر أصحاب الكهف فقال السيد: كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم. وكان السيد يعقوبياً، وقال العاقب: كانوا خمسة سادسهم كلبهم. وكان نسطوريّاً، وقال المسلمون: كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، فحقق الله قول المسلمين وصدّقهم بعد ما حكى قول النصارى، فقال { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ } أي قذفاً بالظنّ من غير يقين، كقول الشاعر:
وأجعلُ منّي الحقّ غيباً مرجّما
{ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } وقال بعضهم: هذه الواو واو الثمانية، إن العرب يقولون: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، وثمانية، لأن العِقد كان عندهم سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة. ونظيره قوله تعالى:{ ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ } [التوبة: 112]. وقوله في صفة أهل الجنّة{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [الزمر: 73]. وقوله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم{ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [التحريم: 5]. وقال بعضهم: هذه واو الحكم والتحقيق، فكأنه حكى اختلافهم فتمّ الكلام عند قوله: { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ } ، ثمّ حكم أن ثامنهم كلبهم، والثامن لا يكون إلاّ بعد السّبع، فهذا تحقيق قول المسلمين.