الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } * { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }

معنى { تَبَّت } هلكت. وقال مقاتل خسرت. وقيل خابت. وقال عطاء ضلت. وقيل صفرت من كل خير، وخصّ اليدين بالتباب، لأن أكثر العمل يكون بهما. وقيل المراد باليدين نفسه، وقد يعبر باليد عن النفس، كما في قولهبِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } الحج 10 أي نفسك. والعرب تعبر كثيراً ببعض الشيء عن كله، كقولهم أصابته يد الدهر، وأصابته يد المنايا، كما في قول الشاعر
لما أكبت يد الرزايا عليه نادى ألا مخبر   
وأبو لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم. وقوله { وَتَبَّ } أي هلك. قال الفراء الأوّل دعاء عليه، والثاني خبر، كما تقول أهلكه الله وقد هلك. والمعنى أنه قد وقع ما دعا به عليه، ويؤيده قراءة ابن مسعود وقد تبّ. وقيل كلاهما إخبار، أراد بالأوّل هلاك عمله، وبالثاني هلاك نفسه. وقيل كلاهما دعاء عليه، ويكون في هذا شبه من مجيء العامّ بعد الخاص، وإن كان حقيقة اليدين غير مرادة، وذكره سبحانه بكنيته لاشتهاره بها، ولكون اسمه، كما تقدّم عبد العزى، والعزّى اسم صنم، ولكون في هذه الكنية ما يدلّ على أنه ملابس للنار لأن اللهب هي لهب النار، وإن كان إطلاق ذلك عليه في الأصل لكونه كان جميلاً، وأن وجهه يتلهب لمزيد حسنه، كما تتلهب النار. قرأ الجمهور { لهب } بفتح اللام، والهاء. وقرأ مجاهد، وحميد، وابن كثير وابن محيصن بإسكان الهاء، واتفقوا على فتح الهاء في قوله { ذَاتَ لَهَبٍ }. وروى صاحب الكشاف أنه قرىء " تبت يدا أبو لهب " وذكر وجه ذلك. { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } أي ما دفع عنه ما حلّ به من التباب، وما نزل به من عذاب الله ما جمع من المال، ولا ما كسب من الأرباح والجاه أو المراد بقوله { ماله } ما ورثه من أبيه، وبقوله { وَمَا كَسَبَ } الذي كسبه بنفسه. قال مجاهد وما كسب من ولد، وولد الرجل من كسبه، ويجوز أن تكون «ما» في قوله { مَا أَغْنَىٰ } استفهامية، أي أيّ شيء أغنى عنه؟ وكذا يجوز في قوله { وَمَا كَسَبَ } أن تكون استفهامية، أي وأيّ شيء كسب؟ ويجوز أن تكون مصدرية، أي وكسبه. والظاهر أن «ما» الأولى نافية، والثانية موصولة. ثم أوعده سبحانه بالنار فقال { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }. قرأ الجمهور { سيصلى } بفتح الياء، وإسكان الصاد، وتخفيف اللام، أي سيصلى هو بنفسه، وقرأ أبو رجاء، وأبو حيوة، وابن مقسم، والأشهب العقيلي، وأبو السماك، والأعمش، ومحمد بن السميفع بضم الياء، وفتح الصاد، وتشديد اللام، ورويت هذه القراءة عن ابن كثير، والمعنى سيصليه الله، ومعنى { ذَاتَ لَهَبٍ } ذات اشتعال وتوقد، وهي نار جهنم.

السابقالتالي
2 3