الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

ولما ذكر الدلائل السماوية أتبعها بذكر الدلائل الأرضية فقال { وَهُوَ ٱلَّذِى مَدَّ ٱلأَرْضَ } قال الفراء بسطها طولاً وعرضاً. وقال الأصمّ إن المدّ هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه، وهذا المدّ الظاهر للبصر لا ينافي كريتها في نفسها لتباعد أطرافها { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ } أي جبالاً ثوابت، واحدها راسية لأن الأرض ترسو بها، أي تثبت. والإرساء الثبوت. قال عنترة
فصرت عارفة لذلك حرّة ترسو إذا نفس الجبانِ تطلع   
وقال جميل
أُحبها والذي أرسى قواعِده حتى إذا ظَهرت آياتُه بطنا   
{ وَأَنْهَـٰراً } أي مياهاً جارية في الأرض فيها منافع الخلق، أو المراد جعل فيها مجاري الماء { وَمِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } من كل الثمرات متعلق بالفعل الذي بعده، أي جعل فيها من كل الثمرات { زوجين اثنين } ، الزوج يطلق على الاثنين، وعلى الواحد المزاوج لآخر، والمراد هنا بالزوج الواحد، ولهذا أكد الزوجين بالاثنين لدفع توهم أنه أريد بالزوج هنا الاثنين، وقد تقدّم تحقيق هذا مستوفي، أي جعل كل نوع من أنواع ثمرات الدنيا صنفين، إما في اللونية كالبياض والسواد ونحوهما، أو في الطعمية كالحلو والحامض ونحوهما، أو في القدر كالصغر والكبر، أو في الكيفية كالحر والبرد. قال الفراء يعني بالزوجين هنا الذكر والأنثى. والأول أولى { يغشى الليل النهار } أي يلبسه مكانه، فيصير أسود مظلماً بعدما كان أبيض منيراً، شبه إزالة نور الهدى بالظلمة بتغطية الأشياء الحسية بالأغطية التي تسترها، وقد سبق تفسير هذه في الأعراف { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } أي فيما ذكر من مدّ الأرض وإثباتها بالجبال، وما جعله الله فيها من الثمرات المتزاوجة. وتعاقب النور والظلمة آيات بينة للناظرين المتفكرين المعتبرين. { وَفِى ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَـٰوِرٰتٌ } هذا كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع آخر من أنواع الآيات. قيل وفي الكلام حذف، أي قطع متجاورت، وغير متجاورات، كما في قولهسَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } النحل 81 أي وتقيكم البرد. قيل والمتجاورات المدن وما كان عامراً، وغير المتجاورات الصحارى وما كان غير عامر، وقيل المعنى متجاورات متدانيات، ترابها واحد وماؤها واحد. وفيها زرع وجنات، ثم تتفاوت في الثمار فيكون البعض حلواً والبعض حامضاً، والبعض طيباً والبعض غير طيب، والبعض يصلح فيه نوع والبعض الآخر نوع آخر { وَجَنَّـٰتٍ مّنْ أَعْنَـٰبٍ } والجنات البساتين، قرأ الجمهور برفع { جنات } على تقدير وفي الأرض جنات، فهو معطوف على قطع متجاورات، أو على تقدير وبينها جنات.

PreviousNext
1 3 4 5