الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } * { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } * { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } * { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً } * { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً }

أو أن يكون ما ذكرنا بدءاً: أن الرسل السالفة كأنهم أخبروا قومهم عن قصة أصحاب الكهف فكذبوهم، فأطلع الله نبأهم وخبرهم؛ ليعلم أولئك أن الذي أخبرهم الرسل حق وصدق، والله أعلم.

ثم إن هذه الأنباء والقصص المتقدمة ذكرت في القرآن حجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودلالة في إثبات رسالته، فلا يجوز أن يقطع القول في شيء لم يبين فيه ولم يوضح ولم يفسر؛ لما يخاف فيه الكذب على الله، ولا الزيادة فيها والنقصان على ما ذكر فيه؛ لما لعلها تخرج مخالفة لما ذكر في كتبهم؛ فلا يكون له فيها حجة ولا دلالة.

فإن قيل: كيف علموا أن ما أخبرهم الرسل حق إذا كانوا لا ينكرون أن وعد الله حق، ولكن يظنون أن ما وعدهم الرسل ويخبرونهم إنما هو اختراع منهم لا وعد من الله وخبر عن الله؟

قيل: علموا أن ذلك حق بوجوه:

أحدها: ما رأوا من الدراهم التي كانت في يدي المبعوث بشراء الطعام من الضرب المتقدم، وإن كان يجوز أن تكون تلك الدراهم من كنز أصاب ذلك الرجل لا من دراهم أصحاب الكهف، فإذا صدقوا ذلك الرجل فيما أخبر أنها من دراهم أصحاب الكهف، فتصديق الرسل أولى وخبرهم أحق أن يصدق.

والثاني: علموا لما رأوا أنه أنامهم مدة طويلة خارجة عن العادة، وحفظهم من كل ضرر وأذى وفساد، وأبقاهم من غير طعام ولا شراب، على علم منهم أن الأنفس لا تبقى ولا تقوم بغير طعام ولا شراب بدون تلك المدة بكثير، فضلا أن تبقى إلى مثل تلك المدة؛ فعلموا أن من قدر على حفظ ما ذكرنا وإبقائهم، لقادر على البعث والإحياء ولا يعجز عن شيء يريد كونه، وأنه فعال لما يريد.

والثالث: علموا أن ذلك حق؛ لما رأوا أنه أنامهم وقتاً طويلا، وحفظهم عن جميع الآفات، ثم بعثهم وأحياهم - أنه لم ينمهم ولم يبعثهم إلا لعاقبة تتأمل وحكمة تقصد؛ فعلى ذلك إحياء الخلق وإماتتهم ليس إلا لعاقبة تتأمل وحكمة تقصد، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ }:

لسنا ندري في ماذا تنازعوا في أمرهم فيما بينهم:

أقوله - عز وجل -: { فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً } ، أو تنازعوا في السبب الذي به التجئوا إلى الكهف؟

ويشبه أن يكون تنازعهم في البناء الذي ذكر في المسجد وغيره، ويحتمل في عددهم ونحوه، ولكن لا نقطع القول فيه؛ إذ وكل أمرهم إلى الله حيث قال: { رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ }.

وقوله - عز وجل -: { قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً } ، ثم قوله: { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً } يحتمل بناء المسجد عليهم إكراماً لهم وإعظاماً؛ ليذكروهم في ذلك المكان على قرب منهم، على ما ظهر عندهم من إكرام الله إياهم.

أو يتخذون مسجداً لعبادة أنفسهم، ليعبدوا الله على قرب منهم؛ ليسألوا من بركتهم ونحوه، والله أعلم.


PreviousNext
1 2 3 4 5 6