الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } * { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } * { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

وأما من قرأه { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } بغير ألف فهو يجعله كناية عن العالم؛ كأنه يقول: { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } أي: يخلقكم في العالم ويكثركم فيه ويعيشكم ويعمركم.

وقال بعضهم: { يَذْرَؤُكُمْ } أي: يكثركم في هذا التزويج الذي جعل بينكم؛ أي: يكثركم بسبب هذا التزويج لم يكثر الناس.

وجائز أن يكون قوله: { فِيهِ } كناية عن التدبير؛ يقول: { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ }: يخلقكم فيه نسلا بعد نسل؛ كقوله - تعالى -ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } [المؤمنون: 79]، وهو قول القتبي وأبي عوسجة.

وقوله - عز وجل -: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ... } الآية.

يستدل بعض أهل التشبيه بأن له مثلا بقوله - تعالى - { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } يقولون: لو لم يكن مثل لم يذكر كاف التشبيه؛ حيث قال: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ، لكن نفى مثلية الأشياء عن مثله؛ فيكون فيه إثبات مثل له لا يشبه سائر الأشياء سواه؛ أو كلام نحو هذا.

وعندنا: قوله - تعالى - { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } أي: ليس مثله شيء، والكاف قد تزاد في الكلام.

وقال بعضهم: أي: ليس كهو شيء، والعرب قد تقيم المثل مقام النفس.

وأصله: أن الخلق ذو أعداد، وكل ذي عدد له أشكال وأمثال من حيث العدد.

والأصل في ذلك: أن الخلق وإن كانوا ذا أمثال وأشكال وأشباه، فليس يشبه بعضهم بعضاً من جميع الوجوه وكل الجهات، ولكن إنما يشبه بعضهم بعضا [لا] من جميع الوجوه، أو بوجه أو بصفة، أو بجهة أو بنفس، ثم صار بعضهم أمثالا لبعض وأشباهاً بتلك الجهة وبذلك الوصف؛ فدل أن الله - تعالى - ليس يشبه الخلق، ولا له مثال منهم بوجه من الوجوه، ولا له شبه منهم، لا ما يرجع إلى النفس، وهو يتعالى عن جميع معاني الخلق وصفاتهم، ودل قوله - تعالى -: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }: أنه شيء؛ لأنه نفى عن نفسه المثلية ولم ينف الشيئية، لكن يقال: شيء لا كالأشياء ينفى عنه شبه الأشياء، والشيء إثبات، وفي الإثبات توحيد، ولو لم يكن شيئاً لكان يقول: ليس هو شيئاً؛ دل أنه ما ذكر.

وقوله - سبحانه -: { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } ذكر في غير موضع، والله الموفق.

وقوله - عز وجل -: { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، وقال في آية أخرى:وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } [الأنعام: 59] وقوله:وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [المنافقون: 7]، وقوله:بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } [يس: 83]، ونحو ذلك من الآيات التي فيها ذكر المفاتيح والمقاليد والخزائن التي أضافها إلى نفسه، ثم لم يفهم الخلق من المفاتيح المضافة والمقاليد والخزائن ما يفهم لو أضيف إلى الخلق؛ بل فهموا من المفاتيح المضافة إلى الخلق والمقاليد المنسوبة إليهم معنى لم يفهموا ذلك المعنى من المفاتيح والمقاليد المضافة إلى الله - تعالى - فما ينبغي أن يفهموه من قوله:

PreviousNext
1 2 3 4 6