الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤمۤ } * { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ }

فأما تأويـل جميع الوجوه التـي ذكرنا أن القراء قرأت بها فمتقارب، ومعنى ذلك كله: القـيـم بحفظ كل شيء ورزقه وتدبـيره وتصريفه فـيـما شاء وأحب من تغيـير وتبديـل وزيادة ونقص. كما: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى بن ميـمون، قال: ثنا ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول الله جل ثناؤه: { الحَيُّ القَيُّومُ } قال: القائم علـى كل شيء. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: { القَيُّوم } قـيـم علـى كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه. وقال آخرون: معنى ذلك القـيام علـى مكانه، ووجهوه إلـى القـيام الدائم الذي لا زوال معه ولا انتقال، وأن الله عز وجل إنـما نفـى عن نفسه بوصفها بذلك التغير والتنقل من مكان إلـى مكان وحدوث التبدل الذي يحدث فـي الآدميـين وسائر خـلقه غيرهم. ذكر من قال ذلك: حدثنـي ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن عمر بن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: { القَيُّومُ } القائم علـى مكانه من سلطانه فـي خـلقه لا يزول، وقد زال عيسى فـي قولهم. يعنـي فـي قول الأحبـار الذين حاجوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم من أهل نـجران فـي عيسى. عن مكانه الذي كان به وذهب عنه إلـى غيره. وأولـى التأويـلـين بـالصواب، ما قاله مـجاهد والربـيع، وأن ذلك وصف من الله تعالـى ذكره نفسه بأنه القائم بأمر كل شيء فـي رزقه والدفع عنه، وكلاءته وتدبـيره وصرفه فـي قدرته، من قول العرب: فلان قائم بأمر هذه البلدة، يُعنى بذلك: الـمتولـي تدبـير أمرها. فـالقـيُّوم إذ كان ذلك معناه «الفَـيعول» من قول القائل: الله يقول بأمر خـلقه، وأصله القـيووم، غير أن الواو الأولـى من القـيوم لـما سبقتها ياء ساكنة وهي متـحركة قلبت ياء، فجعلت هي والـياء التـي قبلها ياء مشددة، لأن العرب كذلك تفعل بـالواو الـمتـحركة إذا تقدمتها ياء ساكنة. وأما القـيّام، فإن أصله القـيوام، وهو الفَـيْعال، من قام يقوم، سبقت الواو الـمتـحركة من قـيوام ياء ساكنة، فجعلتا جميعا ياء مشددة. ولو أن القـيُّوم فعُّول، كان القوّوم، ولكنه الفـيعول، وكذلك القـيّام لو كان الفَعّال لكان القوّام، كما قـيـل: الصوّام والقوام، وكما قال جل ثناؤه: { كُونُواْ قَوَّامِين لِلَّهِ شُهَداء بِالقِسْطِ } ، ولكنه الفَـيْعال فقال: القـيَّام. وأما القـيّـم فهو الفَـيْعِل من قام يقوم، سبقت الواو الـمتـحركة ياء ساكنة فجعلتا ياء مشددة، كما قـيـل: فلان سيد قومه، من ساد يسود، وهذا طعام جيد من جاد يجود، وما أشبه ذلك. وإنـما جاء ذلك بهذه الألفـاظ لأنه قصد به قصد الـمبـالغة فـي الـمدح، فكان القـيُّوم والقـيَّام والقـيِّـم أبلغ فـي الـمدح من القائم. وإنـما كان عمر رضي الله عنه يختار قراءته إن شاء الله «القـيَّام»، لأن ذلك الغالب علـى منطق أهل الـحجاز فـي ذوات الثلاثة من الـياء والواو، فـيقولون للرجل الصوّاغ: الصيَّاغ، ويقولون للرجل الكثـير الدوران الديّار. وقد قـيـل إن قول الله جل ثناؤه: { لاَ تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الكَـافِرِينَ دَيَّاراً } إنـما هو «دوّاراً» «فعّالاً» من دار يدور، ولكنها نزلت بلغة أهل الـحجاز، وأقرّت كذلك فـي الـمصحف.

PreviousNext
1 2 3 4