الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } * { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

يقول تعالـى ذكره { مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ } بـالله ورسوله { رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَـيْه } يقول: أوفوا بـما عاهدوه علـيه من الصبر علـى البأساء والضرّاء، وحين البأس { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ } يقول: فمنهم من فرغ من العمل الذي كان نذره الله وأوجبه له علـى نفسه، فـاستشهد بعض يوم بدر، وبعض يوم أُحد، وبعض فـي غير ذلك من الـمواطن { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ } قضاءه والفراغ منه، كما قضى من مضى منهم علـى الوفـاء لله بعهده، والنصر من الله، والظفر علـى عدوَّه. والنَّـحب: النذر فـي كلام العرب. وللنـحب أيضاً فـي كلامهم وجوه غير ذلك، منها الـموت، كما قال الشاعر:
قَضَى نَـحْبَهُ فِـي مُلْتَقَـى القَوْمِ هَوْبَرُ   
يعنـي: منـيته ونفسه ومنها الـخطر العظيـم، كما قال جرير:
بِطَخْفَةَ جالَدْنا الـمُلُوكَ وَخَيْـلُنَا   عَشِيَّةَ بِسْطامٍ جَرَيْنَ عَلـى نَـحْبِ
أي علـى خطر عظيـم ومنها النـحيب، يقال: نـحب فـي سيره يومه أجمع: إذا مدّ فلـم ينزل يومه ولـيـلته ومنها التنـحيب، وهو الـخطار، كما قال الشاعر:
وإذْ نَـحَّبَتْ كَلْبٌ علـى النَّاس أيُّهُمْ   أحَقُّ بِتاجِ الـمَاجِدِ الـمُتَكَوِّم؟
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي يزيد بن رومان { مِنَ الـمُؤْمِنـينَ رجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَـيْهِ }: أي وفوا الله بـما عاهدوه علـيه { فمنهم من قَضَى نَـحْبَهُ } أي فرغ من عمله، ورجع إلـى ربه، كمن استشهد يوم بدر ويوم أُحد { ومنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ } ما وعد الله من نصره والشهادة علـى ما مضى علـيه أصحابه. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ } قال: عهده فقتل أو عاش { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ } يوماً فـيه جهاد، فـيقضي نـحبه عهده، فـيقتل أو يصدق فـي لقائه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيـينة، عن ابن جريج، عن مـجاهد { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ } قال: عهده { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ } قال: يوماً فـيه قتال، فـيصدق فـي اللقاء. قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن مـجاهد { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ } قال: مات علـى العهد. قال: ثنا أبو أُسامة، عن عبد الله بن فلان قد سماه ذهب عنى اسمه عن أبـيه { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ } قال: نذره. حدثنا ابن إدريس، عن طلـحة بن يحيى، عن عمه عيسى بن طلـحة: أن أعرابـياً أتـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم، فسأله: من الذين قضوا نـحبهم؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ودخـل طلـحة من بـاب الـمسجد وعلـيه ثوبـان أخضران، فقال: " هَذَا مِنَ الَّذِينَ قَضَوْا نَـحْبَهُمْ "

السابقالتالي
2 3 4