الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سلام بن مسكين، قال: ثنـي سلـيـمان بن علـيّ الرَّبْعي، قال: قلت للـحسن: { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ أنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ }... الآية، أهي لنا يا أبـا سعيد كما كانت لبنـي إسرائيـل؟ فقال: إي والذي لا إله غيره، كما كانت لبنـي إسرائيـل وما جعل دماء بنـي إسرائيـل أكرم علـى الله من دمائنا. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سعيد بن زيد، قال: سمعت خالداً أبـا الفضل، قال: سمعت الـحسن تلا هذه الآية:فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } [المائدة: 30]... إلـى قوله: { وَمَنْ أحياها فَكأنـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيعاً } ثم قال: عَظَّم والله فـي الوزر كما تسمعون، ورغّب والله فـي الأجر كما تسمعون إذا ظننت يا ابن آدم أنك لو قتلت الناس جميعاً فإن لك من عملك ما تفوز به من النار، كَذَبَتْك والله نفسك، وكَذَبَكَ الشيطان. حدثنا هناد، قال: ثنا ابن فضيـل، عن عاصم، عن الـحسن فـي قوله: { فَكأنَـما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } قال: وزراً { وَمَنْ أحياها فَكأنَّـمَا أحيا النَّاسَ جَمِيعاً }. قال: أجراً. وأولـى هذه الأقوال عندي بـالصواب قول من قال: تأويـل ذلك أنه من قتل نفساً مؤمنة بغير نفس قتلتها فـاستـحقت القود بها والقتل قصاصاً، أو بغير فساد فـي الأرض، بحرب الله ورسوله وحرب الـمؤمنـين فـيها، فكأنـما قتل الناس جميعاً فـيـما استوجب من عظيـم العقوبة من الله جلّ ثناؤه، كما أوعده ذلك من فعله ربُّه بقوله:وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } [النساء: 93]. وأما قوله: { وَمَنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النَّاسَ جَمِيعاً } فأولـى التأويلات به قول من قال: من حرّم قتل من حرّم الله عزّ ذكره قتَله علـى نفسه، فلـم يتقدم علـى قتله، فقد حِيـيَ الناس منه بسلامتهم منه، وذلك إحياؤه إياها. وذلك نظير خبر الله عزّ ذكره عمن حاجّ إبراهيـم فـي ربه، إذ قال له إبراهيـم:رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ } [البقرة: 258]. فكان معنى الكافر فـي قـيـله: أنا أحيي وأميت: أنا أترك من قدرت علـى قتله وفـي قوله: وأميت: قَتْلُه من قتله. فكذلك معن الإحياء فـي قوله: { وَمَنْ أحْياها }: من سلـم الناس من قتله إياهم، إلا فـيـما أذن الله فـي قتله منهم { فَكأنـمَا أحْيا النَّاسَ جَمِيعاً }. وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويلات بتأويـل الآية، لأنه لا نفس يقوم قتلها فـي عاجل الضرّ مقام قتل جميع النفوس، ولا إحياؤها مقام إحياء جميع النفوس فـي عاجل النفع، فكان معلوماً بذلك أن معنى الإحياء: سلامة جميع النفوس منه، لأنه من لـم يتقدم علـى نفس واحدة، فقد سلـم منه جميع النفوس، وأن الواحدة منها التـي يقوم قتلها مقام جميعها إنـما هو فـي الوزر، لأنه لا نفس من نفوس بنـي آدم يقوم فقدها مقام فقد جميعها وإن كان فقد بعضها أعمّ ضرراً من فقد بعض.

PreviousNext
1 2 3 4 6