الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

فإذ كان ذلك كذلك فـالصواب أن يُحْكم لظاهر التنزيـل بـالعموم علـى ما عمّ، ويجوز ما قاله أهل التأويـل فـيه من القول الذي لا علـم عندنا بخلافه غير أنه لا شك أن الآية نزلت فـي منافق كان يوالـي يهودَ أو نصارى، خوفـاً علـى نفسه من دوائر الدهر، لأن الآية التـي بعد هذه تدل علـى ذلك، وذلك قوله:فَتَرى الَّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِـيهِمْ يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ } .. الآية. وأما قوله:بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ } فإنه عنى بذلك أن بعض الـيهود أنصار بعضهم علـى الـمؤمنـين، ويد واحدة علـى جميعهم، وأن النصارى كذلك بعضهم أنصار بعض علـى من خالف دينهم وملتهم، معرّفـاً بذلك عبـاده الـمؤمنـين أن من كان لهم أو لبعضهم ولـياً فإنـما هو ولـيهم علـى من خالف ملتهم ودينهم من الـمؤمنـين، كما الـيهود والنصارى لهم حرب، فقال تعالـى ذكره للـمؤمنـين: فكونوا أنتـم أيضاً بعضُكم أولـياءُ بعض، وللـيهودي والنصرانـي حربـاً كما هم لكم حرب، وبعضهم لبعض أولـياء لأن من والاهم فقد أظهر لأهل الإيـمان الـحرب ومنهم البراءة، وأبـان قطع ولايتهم. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنَّهُ مِنْهُمْ }. يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنَّهُ مِنْهُمْ } ومن يتولّ الـيهود والنصارى دون الـمؤمنـين فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم علـى الـمؤمنـين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولـى متولّ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو علـيه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه، ولذلك حكم من حكم من أهل العلـم لنصارى بنـي تَغْلب فـي ذبـائحهم ونكاح نسائهم وغير ذلك من أمورهم بأحكام نصارى بنـي إسرائيـل، لـموالاتهم إياهم ورضاهم بـملتهم ونصرتهم لهم علـيها، وإن كانت أنسابهم لأنسابهم مخالفة وأصل دينهم لأصل دينهم مفـارقاً. وفـي ذلك الدلالة الواضحة علـى صحة ما نقول، من أن كلّ من كان يدين بدين فله حكم أهل ذلك الدين كانت دينونته به قبل مـجيء الإسلام أو بعده، إلا أن يكون مسلـماً من أهل ديننا انتقل إلـى ملة غيرها، فإنه لا يقرّ علـى ما دان به فـانتقل إلـيه، ولكن يقتل لردّته عن الإسلام ومفـارقته دين الـحقّ، إلا أن يرجع قبل القتل إلـى الدين الـحقّ، وفساد ما خالفه من قول من زعم أنه لا يحكم بحكم أهل الكتابـين لـمن دان بدينهم، إلا أن يكون إسرائيـلـياً أو منتقلاً إلـى دينهم من غيرهم قبل نزول الفرقان.

PreviousNext
1 2 4