الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }

اعلم أن تعلق هذه الآية هو بقوله تعالى:وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } [النساء: 39] فكأنه قال: فان الله لا يظلم من هذه حاله مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها، فرغب بذلك في الايمان والطاعة. واعلم أن هذه الآية مشتملة على الوعد بأمور ثلاثة: الأول: قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: الذرة النملة الحمراء الصغيرة في قول أهل اللغة. وروي عن ابن عباس أنه أدخل يده في التراب ثم رفعها ثم نفخ فيها، ثم قال: كل واحد من هذه الأشياء ذرة و { مِثْقَالَ } مفعال من الثقل يقال: هذا على مثقال هذا، أي وزن هذا، ومعنى { مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } أي ما يكون وزنه وزن الذرة. واعلم أن المراد من الآية أنه تعالى لا يظلم قليلا ولا كثيراً، ولكن الكلام خرج على أصغر ما يتعارفه الناس يدل عليه قوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئًا } [يونس: 44]. المسألة الثانية: قالت المعتزلة: دلت هذه الآية على أنه تعالى ليس خالقا لأعمال العباد، لأن من جملة تلك الأعمال ظلم بعضهم بعضا، فلو كان موجد ذلك الظلم هو الله تعالى لكان الظالم هو الله، وأيضاً لو خلق الظلم في الظالم، ولا قدرة لذلك الظالم على تحصيل ذلك الظلم عند عدمه، ولا على دفعه بعد وجوده، ثم إنه تعالى يقول لمن هذا شأنه وصفته: لم ظلمت ثم يعاقبه عليه، كان هذا محض الظلم، والآية دالة على كونه تعالى منزها عن الظلم. والجواب: المعارضة بالعلم والداعي على ما سبق مراراً لا حد لها، وقد ذكرنا أن استدلالات هؤلاء المعتزلة وإن كثرت وعظمت، إلا أنها ترجع إلى حرف واحد، وهو التمسك بالمدح والذم والثواب والعقاب، والسؤال على هذا الحرف معين، وهو المعارضة بالعلم والداعي، فكلما أعادوا ذلك الاستدلال أعدنا عليهم هذا السؤال. المسألة الثالثة: قالت المعتزلة: الآية تدل على أنه قادر على الظلم لأنه تمدح بتركه، ومن تمدح بترك فعل قبيح لم يصح منه ذلك التمدح، إلا إذا كان هو قادرا عليه، ألا ترى أن الزمن لا يصح منه أن يتمدح بأنه لا يذهب في الليالي إلى السرقة. والجواب أنه تعالى تمدح بأنه لا تأخذه سنة ولا نوم، ولم يلزم أن يصح ذلك عليه، وتمدح بأنه لا تدركه الأبصار، ولم يدل ذلك عند المعتزلة على أنه يصح أن تدركه الأبصار. المسألة الرابعة: قالت المعتزلة: الآية دالة على أن العبد يستحق الثواب على طاعته وأنه تعالى لو لم يثبه لكان ظالما، لأنه تعالى بين في هذه الآية أنه لو لم يثبهم على أعمالهم لكان قد ظلمهم، وهذا لا يصح إلا إذا كانوا مستحقين للثواب على أعمالهم.

السابقالتالي
2 3 4