الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } * { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } * { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } * { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } * { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } * { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } * { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }

قوله تعالى: { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } أي أحق بدخول النار. يقال: صَلَى يَصْلَى صُليا، نحو مضى الشيء يمضي مُضِيا إذا ذهب، وهوى يهوي هُوِيا. وقال الجوهري: ويقال صليت الرجل ناراً إذا أدخلته النار وجعلته يَصلاها فإن ألقيته فيها إلقاء كأنك تريد الإحراق قلت: أصليته بالألف وصَلَّيته تصليةً. وقرىء «ويُصَلَّى سَعِيراً». ومن خفف فهو من قولهم: صَلِي فلان بالنار بالكسر يصلى صُلِياً احترق قال الله تعالى: «هُمْ أَوْلَى بِهَا صُلِيًّا». قال العجاج:
واللَّهِ لولا النارُ أن نصلاها   
ويقال أيضاً: صلي بالأمر إذا قاسى حره وشدّته. قال الطُّهَوِي:
وَلاَ تَبْلَى بَسَالَتُهُمْ وإنْ هُمْ   صَلُوا بالحرب حِيناً بعد حينِ
واصطليت بالنار وتصلّيت بها. قال أبو زبيد:
وقد تَصلَّيتُ حَرَّ حَرْبِهمُ   كَما تَصلَّى المقْرَورُ من قَرَسِ
وفلانٌ لا يُصطَلَى بناره إذا كان شجاعاً لا يُطاق. قوله تعالى: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَإِن مِّنكُمْ } هذا قسم، والواو يتضمنه. ويفسره حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تَحِلَّة القسم " قال الزهري: كأنه يريد هذه الآية: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } ذكره أبو داود الطيالسي فقوله: «إلا تحِلة القسم» يخرج في التفسير المسند لأن القسم المذكور في هذا الحديث معناه عند أهل العلم قوله تعالى: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا }. وقد قيل: إن المراد بالقسم قوله تعالى:وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } [الذاريات: 1] إلى قوله:إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَاقِعٌ } [الذاريات: 5] والأوّل أشهر والمعنى متقارب. الثانية: واختلف الناس في الورود فقيل: الورود الدخول روي عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الورود الدخول لا يبقى بَرٌّ ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } " أسنده أبو عمر في كتاب «التمهيد». وهو قول ابن عباس وخالد بن معدان وابن جريج وغيرهم. وروي عن يونس أنه كان يقرأ «وإن منكم إلا وارِدها» الورود الدخول على التفسير للورود، فغلط فيه بعض الرواة فألحقه بالقرآن. وفي مسند الدارمي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرد الناس النار ثم يصدرون منها بأعمالهم فأوّلهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كحُضْر الفرس ثم كالراكب المجِدّ في رَحْله ثم كشدّ الرجل في مشيته " وروي عن ابن عباس أنه قال في هذه المسألة لنافع بن الأزرق الخارجي: أما أنا وأنت فلا بد أن نردها، أما أنا فينجيني الله منها، وأما أنت فما أظنه ينجيك لتكذيبك. وقد أشفق كثير من العلماء من تحقق الورود والجهل بالصدر وقد بيناه في «التذكرة».

PreviousNext
1 2 3 5 6 7 8