الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قاله مالك. وقيل: إن سبب هذه الآية أن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم شكا جَهْد مكافحة العدوّ، وما كانوا فيه من الخوف على أنفسهم، وأنهم لا يضعون أسلحتهم فنزلت الآية. وقال أبو العالية: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعدما أوحي إليه خائفاً هو وأصحابه، يدعون إلى الله سرًّا وجهراً، ثم أمِر بالهجرة إلى المدينة، وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلاح. فقال رجل: يا رسول الله، أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال عليه السلام: " لا تلبثون إلاّ يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم مُحْتَبِياً ليس عليه حديدة " ونزلت هذه الآية، وأظهر الله نبيّه على جزيرة العرب فوضعوا السلاح وأمنوا. قال النحاس: فكان في هذه الآية دلالة على نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله جل وعز أنجز ذلك الوعد. قال الضحاك في كتاب النقاش: هذه الآية تتضمن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ لأنهم أهل الإيمان وعملوا الصالحات. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الخلافة بعدي ثلاثون " وإلى هذا القول ذهب ابن العربيّ في أحكامه، واختاره وقال: قال علماؤنا هذه الآية دليل على خلافة الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم، وأن الله استخلفهم ورضي أمانتهم، وكانوا على الدِّين الذي ارتضى لهم، لأنهم لم يتقدّمهم أحد في الفضيلة إلى يومنا هذا، فاستقر الأمر لهم، وقاموا بسياسة المسلمين، وذَبُّوا عن حَوْزة الدِّين فنفذ الوعد فيهم، وإذا لم يكن هذا الوعد لهم نَجَز، وفيهم نَفَذ، وعليهم ورَدَ، ففيمن يكون إذاً، وليس بعدهم مثلهم إلى يومنا هذا، ولا يكون فيما بعده. رضي الله عنهم. وحكى هذا القولَ القُشَيْرِي عن ابن عباس. واحتجُّوا بما رواه سفَيِنة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سَمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون مُلْكاً " قال سفينة: أمسك عليك خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشراً، وخلافة عثمان ثنتي عشرة سنة، وخلافة عليّ ستًّا. وقال قوم: هذا وعد لجميع الأمة في ملك الأرض كلّها تحت كلمة الإسلام كما قال عليه الصلاة والسلام: " زُوِيَتْ لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ مُلْك أمتي ما زُوِيَ لي منها " واختار هذا القول ابن عطية في تفسيره حيث قال: والصحيح في الآية أنها في استخلاف الجمهور، واستخلافهم هو أن يملّكهم البلاد ويجعلهم أهلها كالذي جرى في الشأم والعراق وخراسان والمغرب. قال ابن العربي: قلنا لهم هذا وعد عام في النبوّة والخلافة وإقامة الدعوة وعموم الشريعة، فنفذ الوعد في كل أحد بقدره وعلى حاله حتى في المفتين والقضاة والأئمة، وليس للخلافة محل تنفذ فيه الموعدة الكريمة إلا من تقدّم من الخلفاء.

السابقالتالي
2 3