الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

فـيـه إحـدى عشـرة مسألـة: الأولى ـ قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ } هذا متصل بذكر القتل والجهاد. والضرب: السَّير في الأرض تقول العرب: ضربت في الأرض إذا سرتَ لتجارة أو غَزْوٍ أو غيره مقترنة بفي. وتقول: ضربت الأرض، دون «في» إذا قصدت قضاء حاجة الإنسان ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لايخرج الرجلان يضربان الغائط يتحدّثان كاشفَيْن عن فَرْجَيْهما فإن الله يمقت على ذلك " وهذه الآية نزلت في قوم من المسلمين مَرُّوا في سفرهم برجل معه جمل وغُنَيمة يبيعها فسلّم على القوم وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله فحمل عليه أحدهم فقتله. فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم شقّ عليه ونزلت الآية. وأخرجه البخاري عن عطاء عن ابن عباس قال: قال ابن عباس: كان رجل في غُنَيمة له فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم فقتلوا وأخذوا غنيمته فأنزل الله تعالى ذلك إلى قوله: { عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } تلك الغُنَيمة. قال: قرأ ابن عباس «السلام». في غير البخاري: وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته إلى أهله وردّ عليه غُنيماته. وٱختلف في تعيين القاتل والمقتول في هذه النازلة، فالذي عليه الأكثر وهو في سِيَر ابن إسحاق ومصنّف أبي داود والإستيعاب لابن عبد البر أن القاتل مُحلِّم بن جَثَّامة، والمقتول عامر بن الأضبط فدعا عليه السلام على محلّم فما عاش بعد ذلك إلا سبعا ثم دفن فلم تقبله الأرض ثم دفن فلم تقبله ثم دفن ثالثة فلم تقبله فلما رأوا أن الأرض لا تقبله ألقَوْه في بعض تلك الشِّعاب وقال عليه السلام: " إن الأرض لتقبل من هو شر منه " . قال الحسن: أما إنها تحبس من هو شر منه ولكنه وعظ القوم ألاّ يعودوا. وفي سنن ابن ماجه عن عمران بن حُصين قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً من المسلمين إلى المشركين فقاتلوهم قتالا شديدا، فمنحوهم أكتافهم فحمل رجل من لُحْمَتي على رجل من المشركين بالرمح فلما غَشِيه قال: أشهد أن لا إله إلا الله إني مسلم فطعنه فقتله فَأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكتُ! قال: «وما الذي صنعت»؟ مرة أو مرتين، فأخبره بالذي صنع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلاّ شققتَ عن بطنه فعلمتَ ما في قلبه» فقال: يا رسول الله لو شققتَ بطنه أكنت أعلم ما في قلبه؟ قال: «لا فلا أنت قبِلت ما تكلم به ولا أنت تعلم ما في قلبه». فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلبث إلا يسيراً حتى مات فدفناه، فأصبح على وجه الأرض. فقلنا: لعل عدوا نبشه، فدفناه ثم أمرنا غلماننا يحرسونه فأصبح على ظهر الأرض. فقلنا: لعل الغلمان نَعسوا، فدفناه ثم حرسناه بأنفسنا فأصبح على ظهر الأرض، فألقيناه في بعض تلك الشعاب "

السابقالتالي
2 3 4