الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

" أنا عند ظنّ عبدي بي " وكان عليه السلام يكره الطِّيرة لأنها من أعمال أهل الشِّرْك ولأنها تجلب ظنّ السّوء بالله عزّ وجلّ. قال الخطابي: الفرق بين الفأْل والطيِّرة أن الفأْل إنما هو من طريق حسن الظّنّ بالله، والطيِّرة إنما هي من طريق الاتكال على شيء سواه. وقال ٱلأصمعي: سألت ٱبن عَوْن عن الفأل فقال: هو أن يكون مريضاً فيسمع يا سالم، أو يكون باغياً فيسمع يا واجد، وهذا معنى حديث الترمذي وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " «لا طيِرة وخَيْرُها الفَأَل» قيل: يا رسول الله وما الفأَل؟ قال: «الكلمة الصّالحة يسمعها أحدكم» " وسيأتي لمعنى الطِّيرة مزيد بيان إن شاء الله تعالى. رُوي عن أبي الدّرداء رضي الله عنه أنه قال: إنما العِلْم بالتّعلُّم والحِلْم بالتَحلُّم، ومن يتَحرّ الخير يُعْطَه، ومن يَتَوقَّ الشَّرّ يُوقَه، وثلاثة لا ينالون الدرجات العلا من تَكَهّن أو استقسم أو رجع من سَفَر من طيرة. الموفية عشرين ـ قوله تعالى: { ذٰلِكُمْ فِسْقٌ } إشارة إلى الاستقسام بالأزلام. والفِسْق الخروج، وقد تقدّم. وقيل يرجع إلى جميع ما ذكر من الاستحلال لجميع هذه المحرّمات، وكل شيء منها فِسق وخروج من الحلال إلى الحرام، والاْنكفاف عن هذه المحرّمات من الوفاء بالعقود إذ قال: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ». الحادية والعشرون ـ قوله تعالى: { ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } يعني أن ترجعوا إلى دينهم كفّاراً. قال الضّحاك: نزلت هذه الآية حين فتح مكة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَتَح مكة لثمان بَقين من رمضان سنة تِسع، ويقال: سنة ثمان، ودخلها ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَلاَ من قال لا إلٰه إلاَّ الله فهو آمِن، ومن وضَع السَّلاح فهو آمِن، ومن أغلق بابه فهو آمِن " وفي «يئس» لغتان يَئِسَ ييئس يأسَاً، وأَيِس يَأْيسَ إياساً وإياسَة قاله النضر بن شُمَيْل. { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ } أي لا تخافوهم وخافوني فإني أنا القادر على نصركم. الثانية والعشرون ـ قوله تعالىٰ: { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حين كان بمكة لم تكن إلاَّ فريضة الصَّلاة وحدها، فلما قَدِم المدينة أنزل الله الحلال والحرام إلى أن حجّ فلما حجّ وكمل الدين نزلت هذه الآية { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } الآية على ما نبيّنه. رَوى الأئمّة عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا أُنزلت معشر اليهود لاتّخذنا ذلك اليوم عيداً قال: وأيّ آية؟ قال: { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً } فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي أُنزلت فيه والمكان الذي أنزلت فيه نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعَرَفَة في يوم جُمعة.

PreviousNext
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد