الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

لفظ مسلم. وعند النسائي ليلة جمعة. ورُوِي أنها " لما نزلت في يوم ٱلحجّ الأكبر وقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى عمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يُبْكِيك»؟ فقال: أبكاني أنّا كنا في زيادة من دِيننا فأما إذ كمل فإنه لم يكمل شيء إلاَّ نَقَص. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «صدقت» " ورَوى مجاهد أن هذه الآية نزلت يوم فتح مكة. قلت: القول الأول أصحّ، أنها نزلت في يوم جُمعة وكان يوم عَرَفة بعد العصر في حجّة الوداع سنة عشر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعَرَفَة على ناقته العَضْبَاء، فكاد عضدُ الناقة يَنْقَدّ من ثقلها فبركت. و «ٱليومُ» قد يُعبَّر بجزء منه عن جميعه، وكذلك عن الشهر ببعضه تقول: فعلنا في شهر كذا كذا وفي سنة كذا كذا، ومعلوم أنك لم تستوعب الشهر ولا السَّنَة وذلك مستعمل في لسان العرب والعَجم. والدِّين عبارة عن الشرائع التي شرع وفتح لنا فإنها نزلت نُجُوماً وآخر ما نَزَل منها هذه الآية، ولم ينزل بعدها حُكْم، قاله ٱبن عباس والسُّدّي. وقال الجمهور: المراد معظم الفرائض والتحليل والتحريم، قالوا: وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير، ونزلت آية الرّبا، ونزلت آية ٱلكَلاَلة إلى غير ذلك، وإنما كمل معظم الدين وأمر الحج، إذ لم يَطُف معهم في هذه السَّنَة مُشرك، ولا طاف بالبيت عُريان، ووقف الناس كلّهم بعرفة. وقيل: { أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } بأن أهلكت لكم عدوّكم وأظهرت دينكم على الدين كله كما تقول: قد تمّ لنا ما نريد إذا كُفِيت عدوّك. الثالثة والعشرون ـ قوله تعالىٰ: { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } أي بإكمال الشرائع والأحكام وإظهار دين الإسلام كما وَعَدتكم، إذ قلت: { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } وهي دخول مكة آمنين مطمئنين وغير ذلك مما ٱنتظمته هذه الملّة الحنيفيّة إلى دخول الجنة في رحمة الله تعالىٰ. الرابعة والعشرون ـ لعل قائلاً يقول: قوله تعالىٰ: { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يدلّ على أن الدين كان غير كامل في وقت من الأوقات، وذلك يوجب أن يكون جميع من مات من المهاجرين والأنصار والذين شَهدوا بَدْراً وٱلحُدَيبية وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعتين جميعاً، وبَذَلوا أنفسهم لِلَّهِ مع عظيم ما حَلّ بهم من أنواع المِحَن ماتوا على دين ناقص، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كان يدعو الناس إلى دِين ناقص، ومعلوم أن النَّقْص عَيْب، ودين الله تعالىٰ قِيمَ، كما قال تعالىٰ:

PreviousNext
   1011 12 13