الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

دِيناً قِيَماً } [الأنعام: 161] فالجواب أن يُقال له: لم قلت إن كلّ نقص فهو عَيْب وما دليلك عليه؟ ثم يُقال له: أرأيت نقصان الشهر هل يكون عيْباً، ونقصان صلاة المسافر أهو عَيْب لها، ونقصان العمر الذي أراده الله بقوله:وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } [فاطر: 11] أهو عَيْب له، ونُقْصان أيام الحيض عن المعهود، ونُقْصان أيام الحمل، ونقصان المال بِسَرقة أو حرِيق أو غَرَق إذا لم يَفْتقر صاحبه، فما أنكرت أن نقصان أجزاء الدّين في الشرع قبل أن تلحق به الأجزاء الباقية في علم الله تعالىٰ هذه ليست بشَيْن ولا عيب، وما أنكرت أن معنى قول الله تعالىٰ: { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يخرج على وجهين: أحدهما ـ أن يكون المراد بلّغته أقصى ٱلحدّ الذي كان له عندي فيما قضيته وقدّرته، وذلك لا يوجب أن يكون ما قبل ذلك ناقصاً نُقْصان عيب، لكنه يُوصف بنقصان مُقَيّد فيقال له: إنه كان ناقصاً عما كان عند الله تعالىٰ أنه مُلْحِقه به وضَامُّه إليه كالرجل يُبلغه الله مائة سنة فيقال: أكمل الله عمره ولا يجب عن ذلك أن يكون عُمره حين كان ٱبن ستّين كان ناقصاً نقص قصور وخلل فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: " من عمّره الله ستّين سنة فقد أعذر إليه في ٱلعُمر " ولكنه يجوز أن يوصف بنقصان مقيّد فيقال: كان ناقصاً عما كان عند الله تعالىٰ أنه مُبلغه إياه ومُعمّره إليه. وقد بلغ الله بالظهر والعصر والعشاء أربع ركعات فلو قيل عند ذلك أكملها لكان الكلام صحيحاً، ولا يجب عن ذلك أنها كانت حين كانت ركعتين ناقصة قصور وخلَلَ ولو قيل: كانت ناقصة عما عند الله أنه ضَامُّه إليها وزائده عليها لكان ذلك صحيحاً فهكذا، هذا في شرائع الإسلام وما كان شرع منها شيئاً فشيئاً إلى أن أنهى الله الدِّين منتهاه الذي كان له عنده. والله أعلم. والوجه الآخر ـ أنه أراد بقوله: { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } أنه وفقهم للحجّ الذي لم يكن بقي عليهم من أركان الدِّين غيره، فحجّوا فٱستجمع لهم الدِّين أداء لأركانه وقياماً بفرائضه فإنه يقول عليه السَّلام: " بُنِيَ الإسلام على خَمْس " الحديثَ. وقد كانوا تشهّدوا وصلّوا وزكّوا وصاموا وجاهدوا وٱعتمروا ولم يكونوا حجّوا فلما حجّوا ذلك اليوم مع النبيّ صلى الله عليه وسلم أنزل الله تعالىٰ وهم بالموقف عَشِيّة عرفة { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى } فإنما أراد أكمل وَضْعَه لهم وفي ذلك دلالة على أن الطاعات كلها دين وإيمان وإسلام. الخامسة والعشرون ـ قوله تعالىٰ: { وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً } أي أعلمتكم برضاي به لكم ديناً فإنه تعالىٰ لم يزل راضياً بالإسلام لنا ديناً فلا يكون لاختصاص الرّضا بذلك اليوم فائدة إن حملناه على ظاهره.

PreviousNext
   1011 12 13