الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

و «دِيناً» نُصِب على التمييز، وإن شئت على مفعول ثان. وقيل: المعنى ورضيت عنكم إذا ٱنقدتم لي بالدين الذي شَرعته لكم. ويحتمل أن يريد «رَضِيتُ لَكُمُ الاۤسْلاَمَ دِيناً» أي رضِيت إسلامكم الذي أنتم عليه اليوم ديناً باقياً بكماله إلى آخر الآية لا أنسخ منه شيئاً. والله أعلم. و «الإسلام» في هذه الآية هو الذي في قوله تعالىٰ:إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [آل عمران: 19] وهو الذي يفسّر في سؤال جبريل للنبي عليهما الصَّلاة والسَّلام وهو الإيمان والأعمال والشُّعب. السادسة والعشرون ـ قوله تعالىٰ: { فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ } يعني من دَعَته ضرورة إلى أكل الميتة وسائر المحرّمات في هذه الآية. وٱلمَخْمَصة الجوع وخَلاَء الْبَطْن من الطعام. وٱلْخَمْص ضمور البطن. ورجل خَمِيص وخُمْصَان وٱمرأة خَمِيصَة وخُمْصَانة ومنه أَخْمص القدم، ويستعمل كثيراً في الجُوعِ والْغرث قال الأعشى:
تَبِيتون في ٱلمَشْتَى ملاءً بُطُونكم   وجاراتُكم غَرْثىٰ يَبِتْن خَمَائصا
أي منطويات على الجوع قد أضَمر بطونهنّ. وقال النابغة في خَمْص البطن من جهة ضُمْره:
والبطن ذو عُكَنٍ خَمِيصٌ ليّنٌ   والنّحْر تَنْفُجُه بِثَدْيٍ مُقْعَدِ
وفي الحديث: " خِمَاص البطون خِفافُ الظّهور " الخِمَاص جميع الخميص البطن، وهو الضّامر. أخبر أنهم أعِفّاء عن أموال الناس ومنه الحديث: " إن الطير تَغْدو خِمَاصاً وتَرُوح بِطاناً " وٱلخمِيصة أيضاً ثوب قال الأصمعيّ: الخَمَائِص ثياب خَزٍّ أو صوف مُعْلَمَة، وهي سوداء، كانت من لباس الناس. وقد تقدّم معنى الاضطرار وحكمه في البقرة. السابعة والعشرون ـ قوله تعالىٰ: { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } أي غير مائل لحرام، وهو بمعنى «غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ» وقد تقدّم. والجَنَف الميل، والإثم الحرام ومنه قول عمر رضي الله عنه: ما تَجَانَفْنَا فيه لإثم أي مَا مِلْنا ولا تعمّدنا ونحن نعلمه: وكل مائل فهو مُتَجَانِف وجنِف. وقرأ النَّخَعيّ ويحيى بن وَثَّاب والسُّلَمي «مُتَجَنِّف» دون ألف، وهو أبلغ في المعنى لأن شدّ العين يقتضي مبالغة وتوغُّلاً في المعنى وثبوتاً لحُكْمه وتفاعل إنما هو محاكاة الشيء والتَّقرّب منه ألا ترى أنك إذا قلت: تمايل الغُصْن فإن ذلك يقتضي تأوُّداً ومقاربة مَيل، وإذا قلت: تمَيّل فقد ثبت حكم المَيْل، وكذلك تَصاون الرّجل وتَصوّن، وتعقَّل فالمعنى غير متعمد لمعصية في مقصده قاله قتادة والشافعي. { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي فإن الله له غفور رحيم فحذف وأنشد سيبويه:
قد أصبَحَتْ أُمُّ الخيارِ تدّعِي   عليّ ذَنْباً كلّهُ لم أصْنَعِ
أراد لم أصنعه فحذف. والله أعلم.

PreviousNext
   1011 12 13