الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } * { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } * { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ }

قوله تعالى: { نۤ وَٱلْقَلَمِ } أدغم النون الثانية في هجائها في الواو أبو بكر والمفضَّل وهُبَيرة ووَرْش وابن مُحَيْصِن وابن عامر والكسائي ويعقوب. والباقون بالإِظهار. وقرأ عيسى بن عمر بفتحها كأنه أضمر فعلاً. وقرأ ابن عباس ونصر وابن أبي إسحاق بكسرها على إضمار حرف القسم. وقرأ هارون ومحمد ابن السَّمَيْقَع بضمها على البناء. واختلِف في تأويله. فَرَوى معاوية بن قُرّة عن أبيه يرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نَ لَوْح من نور». ورَوَى ثابت البُنَانيّ أن «ن» الدواة. وقاله الحسن وقتادة. وروى الوليد بن مسلم قال: حدّثنا مالك بن أنس عن سُمَيٌّ مولى أبي بكر عن أبي صالح السّمان عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أول ما خلق الله القلم ثم خلق النُّون وهي الدواة وذلك قوله تعالى: { نۤ وَٱلْقَلَمِ } ثم قال له ٱكتب قال وما أكتب قال ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل أو أجل أو رزق أو أثَر فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ـ قال ـ ثم خُتم فَمُ القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة. ثم خلق العقل فقال الجبّار ما خَلقتُ خلقاً أعجب إليّ منك وعِزّتيّ وجلالي لأَكَمِّلّنك فيمن أحببت ولأنقصنّك فيمن أبغضت " قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكمل الناس عقلاً أطوعهم لله وأعملهم بطاعته " وعن مجاهد قال: «نۤ» الحوت الذي تحت الأرض السابعة. قال: { وَٱلْقَلَمِ } الذي كُتب به الذِّكر. وكذا قال مقاتل ومُرّة الْهَمْدانيّ وعطاء الخراساني والسُّدّي والكَلْبي: إن النون هو الحوت الذي عليه الأرضون. وروى أبو ظَبيان عن ابن عباس قال: أوّل ما خلق الله القلم فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء فخلق منه السماء، ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره، فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، وإن الجبال لتفخر على الأرض. ثم قرأ ابن عباس { نۤ وَٱلْقَلَمِ } الآية. وقال الكَلْبي ومقاتل: ٱسمه البَهْمُوت. قال الراجز:
مالي أراكم كلّكم سكوتَا   والله رَبِّي خلق الْبَهْمُوتَا
وقال أبو اليقظان والواقدي: ليوثاً. وقال كعب: لوثوثاً. وقال: بلهموثاً. قال كعب: إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرضون فوسوس في قلبه، وقال: أتدري ما على ظهرك يا لوثوثا من الدواب والشجر والأرضين وغيرها، لو لفظتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع فهمّ ليوثا أن يفعل ذلك، فبعث الله إليه دابّة فدخلت مَنخْره ووصلت إلى دماغه، فضجّ الحوت إلى الله عز وجل منها فأذن الله لها فخرجت. قال كعب: فوالله إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن همّ بشيء من ذلك عادت كما كانت.

السابقالتالي
2 3