الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } * { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } * { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } * { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } * { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } * { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } * { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } * { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } * { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } * { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } * { وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ }

{ أأنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } أصعب خلقاً. { أَمِ ٱلسَّمَاء } ثم بين كيف خلقها فقال: { بَنَـٰهَا } ثم بين البناء فقال:

{ رَفَعَ سَمْكَهَا } أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو ثخنها لذاهب في العلو رفيعاً. { فَسَوَّاهَا } فعدلها أو فجعلها مستوية، أو فتممها بما يتم به كمالها من الكواكب والتداوير وغيرها من قولهم: سوى فلان أمره إذا أصلحه.

{ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا } أظلمه منقول من غطش الليل إذا أظلم، وإنما أضافه إليها لأنه يحدث بحركتها. { وَأَخْرَجَ ضُحَـٰهَا } وأبرز ضوء شمسها. كقوله تعالى:وَٱلشَّمْسِ وَضُحَـٰهَا } [الشمس: 1] يريد النهار.

{ وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـٰهَا } بسطها ومهدها للسكنى.

{ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا } بتفجير العيون. { وَمَرْعَـٰهَا } ورعيها وهو في الأصل لموضع الرعي، وتجريد الجملة عن العاطف لأنها حال بإضمار قد أو بيان للدحو.

{ وَٱلْجِبَالَ أَرْسَـٰهَا } أثبتها وقرىء «وَٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ» بالرفع على الابتداء، وهو مرجوح لأن العطف على فعلية.

{ مَتَـٰعاً لَّكُمْ وَلأَِنْعَـٰمِكُمْ } تمتيعاً لكم ولمواشيكم.

{ فَإِذَا جَاءتِ ٱلطَّامَّةُ } الداهية التي تطم أي تعلو على سائر الدواهي. { ٱلْكُبْرَىٰ } التي هي أكبر الطامات وهي القيامة، أو النفخة الثانية أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.

{ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَـٰنُ مَا سَعَىٰ } بأن يراه مدوناً في صحيفته وكان قد نسيه من فرط الغفلة أو طول المدة، وهو بدل من { فَإِذَا جَاءتِ } و { مَا } موصولة أو مصدرية { وَبُرّزَتِ ٱلْجَحِيمُ } وأظهرت. { لِمَن يَرَىٰ } لكل راء بحيث لا تخفى على أحد، وقرىء { وَبُرّزَتِ } و «لمن رأى» و «لمن ترى» على أن فيه ضمير الجحيم كقوله تعالى:إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [الفرقان: 12] أو أنه خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم أي لمن تراه من الكفار، وجواب { فَإِذَا جَاءتِ } محذوف دل عليه { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ } أو ما بعده من التفضيل.

{ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } حتى كفر.

{ وَءاثَرَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } فانهمك فيها ولم يستعد للآخرة بالعبادة وتهذيب النفس.

{ فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ } هي مأواه واللام فيه سادة مسد الإضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي، وهي فصل أو مبتدأ. { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } مقامه بين يدي ربه لعلمه بالمبدأ والمعاد.

{ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } لعلمه بأنه مرد.