الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

وأيضاً قد ثبت عن عائشة من طرق أنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ، ثم يقبل، ثم يصلي، ولا يتوضأ. وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة، رواه أحمد، وابن أبي شيبة، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وما قيل من أنه من رواية حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة، ولم يسمع من عروة فقد رواه أحمد في مسنده من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، ورواه ابن جرير من حديث ليث، عن عطاء، عن عائشة، ورواه أحمد أيضاً، وأبو داود، والنسائي من حديث أبي روق الهمداني، عن إبراهيم التيميّ، عن عائشة، ورواه أيضاً ابن جرير من حديث أم سلمة، ورواه أيضاً من حديث زينب السهمية. ولفظ حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها، وهو صائم، ولا يفطر، ولا يحدث وضوءاً. ولفظ حديث زينب السهمية أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقبل، ثم يصلي، ولا يتوضأ». ورواه أحمد، عن زينب السهمية، عن عائشة. قوله { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء } هذا القيد إن كان راجعاً إلى جميع ما تقدم مما هو مذكور بعد الشرط، وهو المرض، والسفر، والمجيء من الغائط، وملامسة النساء كان فيه دليل على أن المرض والسفر بمجردهما لا يسوّغان التيمم، بل لا بد مع وجود أحد السببين من عدم الماء، فلا يجوز للمريض أن يتيمم إلا إذا لم يجد ماء، ولا يجوز للمسافر أن يتيمم إلا إذا لم يجد ماء، ولكنه يشكل على هذا أن الصحيح، كالمريض إذا لم يجد الماء تيمم، وكذلك المقيم، كالمسافر إذا لم يجد الماء تيمم، فلا بد من فائدة في التنصيص على المرض والسفر فقيل وجه التنصيص عليهما أن المرض مظنة للعجز عن الوصول إلى الماء، وكذلك المسافر عدم الماء في حقه غالب، وإن كان راجعاً إلى الصورتين الأخيرتين أعني قوله { أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن ٱلْغَائِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنّسَاء } كما قال بعض المفسرين كان فيه إشكال، وهو أن من صدق عليه اسم المريض، أو المسافر جاز له التيمم، وإن كان واجداً للماء قادراً على استعماله، وقد قيل إنه رجع هذا القيد إلى الآخرين مع كونه معتبراً في الأوّلين لندرة وقوعه فيهما. وأنت خبير بأن هذا كلام ساقط، وتوجيه بارد. وقال مالك، ومن تابعه ذكر الله المرض، والسفر في شرط التيمم اعتباراً بالأغلب في من لم يجد الماء بخلاف الحاضر، فإن الغالب، وجوده، فلذلك لم ينص الله سبحانه عليه. انتهى. والظاهر أن المرض بمجرّده مسوّغ للتيمم، وإن كان الماء موجوداً إذا كان يتضرّر باستعماله في الحال، أو في المآل، ولا تعتبر خشية التلف، فالله سبحانه يقول

PreviousNext
1 2 3 4 6 7 8 9