الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

قرأ اكثر القراء { آزر } بنصب الراء. وقرأ ابو بريد المدني والحسن البصري ويعقوب بالضم. فمن قرأ بالنصب جعل { آزر } في موضع خفض بدلا من أبيه. ومن قرأ بالضم جعله منادى مفردا وتقديره يا آزر.

وقال الزجاج: لا خلاف بين اهل النسب ان اسم ابي ابراهيم تارخ والذي في القرآن يدل على ان اسمه { آزر } وقيل { آزر } ذم في لغتهم كأنه قال: واذ قال ابراهيم لابيه يا مخطىء اتتخذ أصناما فعلى هذا قال الزجاج الاختيار الرفع. قال: ويجوز أن يكون وصفا له كأنه قال واذ قال ابراهيم لابيه المخطىء. قال الزجاج: وقيل { آزر } اسم صنم، فموضعه نصب على اضمار الفعل، كأنه قال: واذ قال ابراهيم لابيه أتتخذ آزر، وجعل { أصناما } بدلا من آزر واشباهه. فقال بعد أن قال اتتخذ آزر الها اتتخذ اصناما آلهة. والذي قاله الزجاج يقوي ما قاله أصحابنا، ان آزر كان جده لامه أو كان عمه، لان أباه كان مؤمنا من حيث ثبت عندهم أن آباء النبي (صلى الله عليه وسلم) الى آدم كلهم كانوا موحدين لم يكن فيهم كافر، وحجتهم في ذلك اجماع الفرقة المحقة، وقد ثبت أن اجماعها حجة لدخول المعصوم فيها، ولا خلاف بينهم في هذه المسألة. وأيضا روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: " نقلني الله من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات لم يدنسني بدنس الجاهلية " ، وهذا خبر لا خلاف في صحته، فبين النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الله نقله من أصلاب الطاهرين فلو كان فيهم كافر لما جاز وصفهم بأنهم طاهرون، لان الله وصف المشركين بأنهم أنجاس، فقالإنما المشركون نجس } ولهم في ذلك أدلة لا نطول بذكرها الكتاب لئلا يخرج عن الغرض.

واختلفوا في معنى (آزر) هل هو اسم أو صفة، فقال السدي ومحمد ابن اسحاق وسعيد بن عبد العزيز والجبائي والبلخي: انه اسم أبي ابراهيم، وهو تارخ كما قيل ليعقوب: اسرائيل، قالوا: ويجوز ان يكون لقباً غلب عليه. وقال مجاهد: ليس آزر أبا ابراهيم وانما هو اسم صنم. وقال قوم هو سب وعبث بكلامهم، ومعناه معوج. و { إذ } في الآية متعلقة بقوله واذكر { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة } والالف الف انكار لا استفهام وان كان قد خرج مخرج الاستفهام.

وقوله { إني أراك في ضلال مبين } يعني في ضلال عن الصواب وقوله { مبين } يدل على انه قال ذلك منكرا، والمبين هو البين الظاهر، والغرض بالآية حث النبي (صلى الله عليه وسلم) على محاجة قومه الذين يدعونه الى عبادة الاصنام والازدراء على فعلهم والاقتداء في ذلك بأبيه ابراهيم (صلى الله عليه وسلم) وصبره على محاجة قومه العابدين للاصنام ليتسلى بذلك ويقوي دواعيه الى ذلك. والاصنام جمع صنم وهو مثال من حجر او خشب او من غير ذلك في صورة انسان وهو الوثن. وقد يقال للصورة المصورة على صورة الانسان في الحائط وغيره صنم ووثن.