الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } * { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } * { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } * { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } * { وَعِنَباً وَقَضْباً } * { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } * { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } * { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } * { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }

والزيتون الثمر الذي يعصر منه الزيت المعروف. والنخل الشجر الذي ثمرته التمر وأطوارهُ. والحدائق جمع حديقة وهي الجنة من نخل وكَرم وشجرِ فواكهَ، وعطفُها على النخل من عطف الأعم على الأخص، ولأن في ذكر الحدائق إدماجاً للامتنان بها لأنها مواضع تنزههم واخترافهم. وإنما ذكر النخل دون ثمرته، وهو التمر، خلافاً لما قُرن به من الثمار والفواكهِ والكلأ، لأن منافع شجر النخيل كثيرة لا تقتصر على ثمره، فهم يقتاتون ثمرته من تمر ورُطب وبُسر، ويأكلون جُمَّاره، ويَشربون ماء عود النخلة إذا شُق عنه، ويتخذون من نَوى التمر علفاً لإبلهم، وكل ذلك من الطعام، فضلاً عن اتخاذهم البيوت والأواني من خشبه، والحُصُر من سَعَفه، والحبالَ من لِيفه. فذِكْرُ اسم الشجرة الجامعة لهذه المنافع أجمع في الاستدلال بمختلف الأحوال وإدماج الامتنان بوفرة النعم، وقد تقدم قريباً في سورة النبأ. والغُلْب جمع غلباء، وهي مؤنث الأغلب، وهو غَليظُ الرقبة، يقال غلب كفرح، يوصف به الإنسان والبعير، وهو هنا مستعار لغلظ أصول الشجر فوصف الحدائق به إما على تشبيه الحديقة في تكاثف أوراق شجرها والتفافها بشخص غليظ الأوداج والأعصاب فتكون استعارة، وإما على تقدير محذوف، أي غُلْبٍ شَجَرُها، فيكون نعتاً سببيّاً وتكون الاستعارة في تشبيه كل شجرة بامرأة غليظة الرقبة، وذلك من محاسن الحدائق لأنها تكون قد استكملت قوة الأشجار كما في قولهوجَنّاتٍ ألفافاً } النبأ 16. وخصت الحدائق بالذكر لأنها مواضع التنزه والاختراف، ولأنها تجمع أصنافاً من الأشجار. والفاكهة الثمار التي تؤكل للتفكه لا للإقتيات، مثل الرُّطَب والعِنب الرَّطْب والرمان واللوز. والأبُّ بفتح الهمزة وتشديد الباء الكلأ الذي ترعاه الأنعام، روي أن أبا بكر الصديق سُئل عن الأبّ ما هو؟ فقال «أيُّ سماءٍ تُظلني، وأيُّ أرض تُقِلَّني إذا قلت في كتاب الله ما لا علم لي به» وروي أن عمر بن الخطاب قرأ يوماً على المنبر { فأنبتنا فيها حباً } إلى { وأبّاً } فقال كلّ هذا قد عرفناه فما الأبّ؟ ثم رفع عصا كانت في يده، وقال هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك يا ابن أمّ عمر أن لا تدري ما الأبّ ابتغوا ما بُيّن لكم من هذا الكتاب فاعملوا به، وما لم تعرفوه فَكِلوه إلى ربه». وفي «صحيح البخاري» عن عُمر بعض هذا مختصراً. والذي يظهر لي في انتفاء علم الصديق والفاروق بمدلول الأبّ وهما من خُلّص العربِ لأحد سببين إما لأن هذا اللفظ كان قد تنوسي من استعمالهم فأحياه القرآن لرعاية الفاصلة فإن الكلمة قد تشتهر في بعض القبائل أو في بعض الأزمان وتُنسى في بعضها مثل اسم السِّكين عندَ الأوس والخزرج، فقد " قال أنس بن مالك ما كُنَّا نَقول إلا المُدْية حتى سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أن سليمان عليه السلام قال «ائيتوني بالسكين أقْسِمْ الطفْلَ بينهما نصفين» "

PreviousNext
1 2 4