الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

فإياك أن تفهم أن الإسلام يأخذ منك شيئاً إلا وهو يريد أن يعطيك أشياء. إن الفلاح الذي يشقى بالحرث وبالري، وتراه وقد علا جبهته العرق وتراب الأرض وتغوص أقدامه في الطين والمياه، إنك تراه يوم الحصاد وهو فرح مسرور بِغَلَّته. أما غيره الذي لم يشْقَ بالحرث ولم تعل جبهته حبات العرق، فيأتي في هذا اليوم وهو حزين ونادم. فإياك أن تنظر إلى تكاليف الدين على أنها أمور تحرمك النفع، إنَّها أمور تربّب لك النفع أي تكثر لك النفع. وإياك أن تظن أن حكماً من أحكام الله قد جاء ليجور على حريتك بل جاء ليمنع عنك اعتداء الآخرين. وقلنا من قبل: إن الشرع حين كلف كل إنسان ألا يسرق مال أحد، فهو تقييد من أجل حفظ أموال الملايين، وهو أمر ضمني لكل الناس ألاَّ يسرقوا شيئاً من هذا الإنسان، وهنا نجد الأمان ينتشر بالإيمان بين الجميع. ولو نظرت إلى ما منع الدين الناس أن يمارسوه معك لعرفت قيمة التكاليف الإيمانية. إن التكليف حين يأمر ألا يمد أحد عيونه إلى محارم جاره، هذا التكليف صادر للناس جميعاً حتى يحمي الله لك محارمك من عيون الناس، لقد قَيَّد التكليف حرية الآخرين من أجلك وهم كثيرون، وقيد حريتك من أجل الآخرين وأنت واحد.. إذن فيجب أن نذكر أن كل تكليف يعطي صلاحاً وفلاحاً، فالأرض تأخذ الحبة وتعطيك سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، فلا تنظر إلى ما أخذه التكليف من حريتك، لأنه أخذ لك من حريات الآخرين أيضاً. ولا تقل: إن التكليف قد نقص حركتي لنفسي، لأنه سيعطيك ثمرات أكثر مما أفقدك. ويقول الحق من بعد ذلك: { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ... }.

PreviousNext
1 2