الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

يعني جلّ ثناؤه بقوله: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ }: يا أيها الذين صدّقوا الله صدّقوا رسوله، فيما جاءهم به من عند ربهم { إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } يقول: إذا سرتم مسيراً لله في جهاد أعدائكم { فَتَبَيَّنُواْ } يقول: فتأنوا في قتل من أشكل عليكم أمره، فلم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره، ولا تعجلوا فتقتلوا من التبس عليكم أمره، ولا تتقدموا على قتل أحد إلا على قتل من علمتموه يقيناً حرباً لكم ولله ولرسوله. { تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ } يقول: ولا تقولوا لمن استسلم لكم فلم يقاتلكم، مظهراً لكم أنه من أهل ملتكم ودعوتكم، { لَسْتَ مُؤْمِناً } فتقتلوه ابتغاء عرض الحياة الدنيا، يقول: طلب متاع الحياة الدنيا، فإن عند الله مغانم كثيرة من رزقه وفواضل نعمه، فهي خير لكم إن أطعتم الله فيما أمركم به ونهاكم عنه فأثابكم بها على طاعتكم إياه، فالتمسوا ذلك من عنده { كَذٰلِكَ كُنتُمْ مِّن قَبْلُ } يقول: كما كان هذا الذي ألقى إليكم السلام فقلت له لست مؤمناً فقتلتموه، كذلك أنتم من قبل، يعني: من قبل إعزاز الله دينه بتباعه وأنصاره، تستخفون بدينكم كما استخفى هذا الذي قتلتموه، وأخذتم ماله بدينه من قومه أن يظهره لهم حذراً على نفسه منهم. وقد قيل: إن معنى قوله: { كَذٰلِكَ كُنتُمْ مِّن قَبْلُ } كنتم كفاراً مثلهم. { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } يقول: فتفضل الله عليكم باعزاز دينه بأنصاره وكثرة تباعه. وقد قيل: فمنّ الله عليكم بالتوبة من قتلكم هذا الذي قتلتموه، وأخذتم ماله بعد ما ألقى إليكم السلام. { فَتَبَيَّنُواْ } يقول: فلا تعجلوا بقتل من أردتم قتله ممن التبس عليكم أمر إسلامه، فلعلّ ألله أن يكون قد منّ عليه من الإسلام بمثل الذي منّ به عليكم، وهداه لمثل الذي هداكم له من الإيمان. { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } يقول: إن الله كان بقتلكم من تقتلون وكفكم عمن تكفون عن قتله من أعداء الله وأعدائكم وغير ذلك من أموركم وأمور غيركم { خَبِيراً } يعني: ذا خبرة وعلم به، يحفظه عليكم وعليهم، حتى يجازي جيمعكم به يوم القيامة جزاء المحسن بإحسانه والمسيء باساءته. وذكر أن هذه الآية نزلت في سبيل قتيل قتلته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما قال: إني مسلم، أو بعد ما شهد شهادة الحقّ، أو بعد ما سلم عليهم، لغنيمة كانت معه أو غير ذلك من ملكه، فأخذوه منه. ذكر الرواية والآثار بذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، أن ابن عمر، قال: بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثاً، فلقيهم عامر بن الأضبط، فحياهم بتحية الإسلام، وكانت بينهم إحنة في الجاهلية، فرماه محلم بسهم فقتله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7