الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله وأقرّوا بوحدانية ربهم، إن كثيراً من العلماء والقرّاء من بني إسرائيل من اليهود والنصارى { لَيَأْكُلُونَ أموَالَ النَّاسِ بالباطِلِ } يقول: يأخذون الرشا في أحكامهم، ويحرّفون كتاب الله، ويكتبون بأيديهم كتبا ثم يقولون: هذه من عند الله، ويأخذون بها ثمنا قليلاً من سفلتهم. { وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } يقول: ويمنعون من أراد الدخول في الإسلام الدخول فيه بنهيهم إياهم عنه. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ كَثِيراً مِنَ الأحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أمْوَالَ النَّاسِ بالباطِلِ } أما الأحبار، فمن اليهود وأما الرهبان: فمن النصارى وأما سبيل الله: فمحمد صلى الله عليه وسلم. القول في تأويل قوله تعالى: { الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ }. يقول تعالى ذكره: { إنَّ كَثِيراً مِنَ الأحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أمْوَالَ النَّاسِ بالباطِلِ } ويأكلها أيضاً معهم { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ } يقول: بشر الكثير من الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، بعذاب أليم لهم يوم القيامة موجع من الله. واختلف أهل العلم في معنى الكنز، فقال بعضهم: هو كلّ مال وجبت فيه الزكاة فلم تؤدّ زكاته. قالوا: وعنى بقوله: { ولاَ يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ } ولا يؤدون زكاتها. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كلّ مال أدّيت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفوناً، وكلّ مال لم تؤدّ زكاته فهو الكنز الذي ذكره الله في القرآن يُكْوَى به صاحبه وإن لم يكن مدفوناً. حدثنا الحسين بن الجنيد، قال: ثنا سعيد بن مسلمة، قال: ثنا إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال: كلّ مال أدّيت منه الزكاة فليس بكنز وإن كان مدفوناً، وكلّ مال لم تؤدّ منه الزكاة وإن لم يكن مدفونا فهو كنز. حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أيما مال أدّيت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفوناً في الأرض، وأيما مال لم تؤدّ زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه، وإن كان على وجه الأرض. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي وجرير، عن الأعمش، عن عطية، عن ابن عمر، قال: ما أدّيت زكاته فليس بكنز. قال: ثنا أبي، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر، قال: ما أدّيت زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وما لم تؤدّ زكاته فهو كنز وإن كان ظاهراً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6