الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }

الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها وترفيعها، وهذه لا تنكرها المعتزلة ولا تنكر شفاعة الحشر الأوّل. الخامسة: قال القاضي عِياض: وعرف بالنقل المستفيض سؤالُ السلف الصالح لشفاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم ورغبتهم فيها، وعلى هذا لا يلتفت لقول من قال: إنه يكره أن تسأل الله أن يرزقك شفاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنها لا تكون إلا للمذنبين، فإنها قد تكون كما قدّمنا لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات. ثم كل عاقل معترف بالتقصير محتاج إلى العفو غير معتدٍّ بعمله مشفق أن يكون من الهالكين، ويلزم هذا القائل ألا يدعو بالمغفرة والرحمة لأنها لأصحاب الذنوب أيضاً، وهذا كله خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف. روى البخاري عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ الوسيلة والفضيلة وٱبعثه مقاماً محموداً الذي وعدتَه حلّت له شفاعتي يوم القيامة ". القول الثاني ـ أن المقام المحمود إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة. قلت: وهذا القول لا تنافر بينه وبين الأوّل فإنه يكون بيده لواء الحمد ويشفع. روى الترمذي عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبيّ يومئذ آدمَ فمن سواه إلا تحت لوائي " الحديث. القول الثالث ـ ما حكاه الطبري عن فرقة، منها مجاهد، أنها قالت: المقام المحمود هو أن يُجلس الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم معه على كرسيّه وروت في ذلك حديثاً. وعَضَد الطبريّ جواز ذلك بشططٍ من القول، وهو لا يخرج إلا على تلطُّف في المعنى، وفيه بُعْدٌ. ولا يُنْكَر مع ذلك أن يروَى، والعلم يتأوّله. وذكر النقاش عن أبي داود السِّجسْتَانيّ أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا مُتَّهَم، ما زال أهل العلم يتحدّثون بهذا، من أنكر جوازه على تأويله. قال أبو عمر: ومجاهد وإن كان أحد الأئمة يتأوّل القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم: أحدهما هذا والثاني في تأويل قوله تعالى:وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌإِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 22] قال: تنتظر الثواب ليس من النظر. قلت: ذكر هذا في باب ٱبنُ شهاب في حديث التنزيل. وروي عن مجاهد أيضاً في هذه الآية قال: يُجلسه على العرش. وهذا تأويل غير مستحيل لأن الله تعالى كان قبل خلقه الأشياء كلَّها والعرشَ قائماً بذاته، ثم خلق الأشياء من غير حاجة إليها، بل إظهاراً لقدرته وحكمته، وليُعرف وجوده وتوحيده وكمال قدرته وعلمه بكل أفعاله المحكمة، وخلق لنفسه عرشاً استوى عليه كما شاء من غير أن صار له مماساً، أو كان العرش له مكاناً.

PreviousNext
1 2 4