الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } * { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ }

القدم: قال الليث وأبو الهيثم: القدم السابقة. قال ذو الرمة:
وأنت امرؤ من أهل بيت دؤابة   لهم قدم معروفة ومفاخر
وقال أبو عبيدة والكسائي: كل سابق في خير أو شر فهو قدم. وقال الأخفش: سابقة إخلاص كما في قول حسان:
لنا القدم العليا إليك وخلفنا   لا ولنا في طاعة الله تابع
وقال أحمد بن يحيـى: كل ما قدمت من خير. وقال ابن الأنباري: العمل الذي يتقدم فيه ولا يقع فيه تأخير ولا إبطاء.

{ الر تلك آيات الكتاب الحكيم أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لسحر مبين }: هذه السورة مكية إلا ثلاث آيات، فإنها نزلت بالمدينة، وهي فإن كنت في شك إلى آخرهن، قاله ابن عباس. وقال الكلبي: إلا قوله ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به فإنها نزلت في اليهود بالمدينة. وقال قوم: نزل من أولها نحو من أربعين آية بمكة، ونزل باقيها بالمدينة. وقال الحسن وعطاء وجابر: هي مكية وسبب نزولها: أنّ أهل مكة قالوا: لم يجد الله رسولاً إلا يتيم أبي طالب فنزلت. وقال ابن جريج: عجبت قريش أن يبعث رجل منهم فنزلت. وقيل: لما حدثهم عن البعث والمعاد والنشور تعجبوا.

ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما أنزلوإذا ما أنزلت سورة } [التوبة: 124] وذكر تكذيب المنافقين ثم قال:لقد جاءكم رسول } [التوبة: 128] وهو محمد صلى الله عليه وسلم أتبع ذلك بذكر الكتاب الذي أنزل، والنبي الذي أرسل، وأن ديدن الضالين وأحد متابعيهم ومشركيهم في التكذيب بالكتب الإلهية وبمن جاء بها، ولما كان ذكر القرآن مقدّماً على ذكر الرسول في آخر السورة، جاء في أول هذه السورة كذلك فتقدم ذكر الكتاب على ذكر الرسول، وتقدم ما قاله المفسرون في أوائل هذه السورة المفتتحة بحروف المعجم، وذكروا هنا أقوالاً عن المفسرين منها: أنا الله أرى، ومنها أنا الله الرحمن، ومنها أنه يتركب منها ومن حم ومن نون الرحمن. فالراء بعض حروف الرحمن مفرقة، ومنها أنا الرب وغير ذلك. والظاهر أن تلك باقية على موضوعها من استعمالها البعد المشار إليه. فقال مجاهد وقتادة: أشار بتلك إلى الكتب المتقدمة من التوراة والإنجيل والزبور، فيكون الآيات القصص التي وصفت في تلك الكتب. وقال الزجاج: إشارة إلى آيات القرآن التي جرى ذكرها. وقيل: إشارة إلى الكتاب المحكم الذي هو محزون مكتوب عند الله، ومنه نسخ كل كتاب كما قال:بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ } [البروج: 21 - 22] وقال:وإنه في أم الكتاب }

السابقالتالي
2 3