الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ }

قوله عزّ وجلّ: { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } كانت قصة أصحاب الفيل على ما ذكره محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير، وعكرمة عن ابن عباس، وذكره الواقدي أن النجاشي ملك الحبشة كان بعث أرياط إلى اليمن، فغلب عليها فقام رجل من الحبشة يقال له أبرهة بن الصّباح بن يكسوم، فساخط أرياط في أمر الحبشة حتى انصدعوا صدعين، فكان طائفة مع أرياط، وطائفة مع أبرهة، فتزاحفا فقتل أبرهة أرياط، واجتمعت الحبشة لأبرهة، وغلب على اليمن، وأقره النّجاشي على عمله، ثم إن أبرهة رأى النّاس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة لحج بيت الله عزّ وجلّ، فبنى كنيسة بصنعاء، وكتب إلى النّجاشي إني قد بنيت لك بصنعاء كنيسة لم يبن لملك مثلها، ولست منتهياً حتى أصرف إليها حج العرب فسمع بذلك مالك بن كنانة فخرج لها ليلاً، فدخل وتغوط فيها ولطّخ بالعذرة قبلتها، فبلغ ذلك أبرهة فقال: من اجترأ عليّ، فقيل صنع ذلك رجل من العرب من أهل ذلك البيت سمع بالذي قلت، فحلف أبرهة عند ذلك ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها، فكتب إلى النجاشي يخبره بذلك، وسأله أن يبعث إليه بفيله، وكان له فيل يقال له محمود، وكان فيلاً لم ير مثله عظماً، وجسماً، وقوة، فبعث به إليه، فخرج أبرهة في الحبشة سائراً إلى مكة، وخرج معهم الفيل، فسمعت العرب بذلك، فعظموه ورأوا جهاده حقاً عليهم، فخرج ملك من ملوك اليمن يقال له ذو نفر بمن أطاعه من قومه، فقاتلوه فهزمه أبرهة، وأخذ ذا نفر فقال يا أيها الملك استبقني فإن بقائي خير لك من قتلي فاستحياه وأوثقه وكان أبرهة رجلاً حليماً، ثم سار حتى إذا دنا من بلاد خثعم، خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي في خثعم ومن اجتمع إليه من قبائل اليمن، فقاتلوه فهزمهم، وأخذ نفيلاً فقال نفيل أيها الملك إني دليل بأرض العرب، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطّاعة، فاستبقاه وخرج معه يدله حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن مغيث في رجال من ثقيف فقال: أيّها الملك نحن عبيدك ليس عندنا خلاف لك، إنما تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه، فبعثوا معه أبا رغال مولى لهم، فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال وهو الذي يرجم قبره، وبعث أبرهة رجلاً من الحبشة يقال له الأسود بن مسعود على مقدمة خيله، وأمره بالغارة على نعم الناس، فجمع الأسود أموال أصحاب الحرم، وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير، ثم إن أبرهة أرسل بحناطة الحميري إلى أهل مكة، وقال له: سل عن شريفها، ثم أبلغه ما أرسلك به إليه أخبره أني لم آت لقتال، إنما جئت لأهدم هذا البيت، فانطلق حتى دخل مكة، فلقي عبد المطلب بن هاشم فقال له إن الملك أرسلني إليك لأخبرك أنه لم يأت لقتال، إلا أن تقاتلوه، إنما جاء لهدم هذا البيت ثم الانصراف عنكم، فقال عبد المطلب: ما له عندنا قتال ولا لنا به يد إنا سنخلي بينه وبين ما جاء له، فإن هذا بيت الله الحرام، وبيت إبراهيم خليله عليه الصّلاة والسّلام، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه وإن يخل بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به قوة قال فانطلق معي إلى الملك، فزعم بعض العلماء أنه أردفه على بغلة كان عليها، وركب معه بعض بنيه حتى قدم على العسكر، وكان ذو نفر صديقاً لعبد المطلب، فأتاه فقال: يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا؟ قال فما غناء رجل أسير لا يأمن من أن يقتل بكرة أو عشية، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل، فإنه لي صديق، فأسأله أن يصنع لك عند الملك ما استطاع من خير، ويعظم خطرك، ومنزلتك عنده قال فأرسل إلى أنيس، فأتاه فقال، له إن هذا سيد قريش، وصاحب عير مكة يطعم النّاس في السّهل، والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب الملك له مائتي بعير فإن استطعت أن تنفعه عنده، فانفعه فإنه صديق لي أحب ما وصل إليه من الخير، فدخل أنيس على أبرهة فقال: أيها الملك هذا سيد قريش، وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السّهل، والوحوش في رؤوس الجبال يستأذن عليك، وأنا أحب أن تأذن له، فيكلمك فقد جاء غير ناصب، ولا مخالف عليك، فأذن له وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً، وسيماً فلما رآه أبرهة عظمه، وأكرمه، وكره أن يجلس معه على السرير وأن يجلس تحته، فهبط إلى البساط فجلس عليه، ثم دعاه، فأجلسه معه ثم قال لترجمانه قل له ما حاجتك إلى الملك فقال الترجمان: ذلك له فقال له عبد المطلب حاجتي إلى الملك أن يرد عليّ مائتي بعير أصابها لي، فقال أبرهة لترجمانه قل له كنت أعجبتني حين رأيتك، ولقد زهدت الآن فيك قال لم قال جئت إلى بيت هو دينك، ودين آبائك، وهو شرفكم، وعصمتكم لأهدمه لم تكلمني فيه، وتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، قال عبد المطلب: أنا رب هذه الإبل، ولهذا البيت رب سيمنعه منك، قال ما كان ليمنعه مني قال فأنت وذاك فأمر بإبله فردت عليه، فلما ردت الإبل على عبد المطلب خرج، فأخبر قريشاً الخبر وأمرهم أن يتفرقوا في الشّعاب ويتحرزوا في رؤوس الجبال تخوفاً عليهم من معرة الحبش، ففعلوا وأتى عبد المطلب الكعبة، وأخذ حلقة الباب وجعل يقول:

السابقالتالي
2