الرئيسية - التفاسير


* تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } * { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } * { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ }

القراءات { شانيك } بالياء: يزيد والشموني وحمزة في الوقف. وقرأ قتيبة ونصير مهموزاً ممالة. الوقوف { الكوثر } ه ط { وانحر } ه ط { الأبتر } ه.

التفسير: هذه السورة كالمقابلة للسورة المتقدمة، لأن تلك مثال لكون الإنسان في خسر، وهذه للمستثنين منهم بل لأشرفهم وأفضلهم وهو النبي صلى الله عليه وسلم بل له ولشانيه، فكأنها مثال للفريقين جميعاً. هذا وجه إجمالي وأما الوجه التفصيلي فقوله { إنا أعطيناك الكوثر } أي الخير الكثير وقع في مقابلة الدع والمنع من الإطعام وقوله { فصل } أي دم على الصلاة وقع بإزاء قولهعن صلاتهم ساهون } [الماعون: 5] وقوله { لربك } مكان قولهيراءون } [الماعون: 6] وقوله { وانحر } والمراد به التصدق بلحوم الأضاحي بحذاء قولهويمنعون الماعون } [الماعون: 7] ثم ختم السورة بقوله { إن شانئك هو الأبتر } أي الذي تضاد طريقته طريقتك سيزول عنه ما يفتخر به من المال والجاه والأحساب والأنساب ويبقى لك ولمتابعيك الذكر الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في العقبى، بل يدوم لك النسب الصوري بسبب أولادك الشرفاء والنسب المعنوي بواسطة أتباعك العلماء، ثم في الآية أصناف من المبالغة منها: التصدير بـ " إن " ومنها الجمع المفيد للتعظيم، ومنها لفظ الإعطاء دون الإيتاء ففي الإعطاء دليل التمليك دون الإيتاء ولهذا حين قالولقد آتيناك سبعاً من المثاني } [الحجر: 7] كان أمته مشاركين له في فوائدها ولم يكن له منعهم منها. ومنها صيغة المضي الدالة على التحقيق في وعد الله تعالى كما هي عادة القرآن، ومنها لفظ الكوثر وهو مبالغة في الكثرة بزيادة الواو كجدول فيشمل خيرات الدنيا والآخرة، إلا أن أكثر المفسرين خصوه فحملوه على أنه اسم نهر في الجنة. عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم " رأيت نهراً في الجنة حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فضربت بيدي إلى مجرى الماء فإذا أنا بمسك أذفر فقلت: ما هذا؟ فقيل: هو الكوثر الذي أعطاك الله " وفي رواية " ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل فيه طيور خضر لها أعناق كأعناق البخت من أكل من ذلك الطير وشرب من ذلك الماء فاز بالرضوان " قال أهل المعنى: ولعله إنما سمى كوثراً لأنه أكثر أنهار الجنة ماء وخيراً، أو لان أنهار الجنة تتفجر منه كما روي أنه ما في الجنة بستان إلا وفيه من الكوثر نهر جار أو لكثرة شاربيه. وقد يقال: إن الكوثر حوض في الجنة على ما ورد في الأخبار فلعل منبعه حوض ومنه تسيل الأنهار، والقول الثالث أن الكوثر أولاده لأن هذه السورة نزلت رداً على من زعم أنه الأبتر كما يجيء والمعنى أنه يعطيه بفاطمة نسلاً يبقون على مر الزمان. فانظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم مملوء منهم، ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به، والعلماء الأكابر منهم لا حد ولا حصر لهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6