الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }

قوله تعالى: { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ }.

قال ابن الخطيب: وجه تعلق هذه السورة بآخر ما قبلها، هو أنه تعالى أشار في آخر التي قبلها إلى كمال علمه بقوله:عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } [التغابن: 18]، وفي أول هذه السورة أشار إلى كمال علمه بمصالح النِّساء، والأحكام المخصوصة بطلاقهن، فكأنه بيّن ذلك الكلي بهذه الجزئيات.

فصل في هذا الخطاب.

وهذا الخطاب فيه أوجه:

أحدهما: أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خوطب بلفظ الجمع تعظيماً له؛ كقوله: [الطويل]
4780 - فَإنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّساءَ سِوَاكُمُ   وإنْ شِئْتُ لَمْ أطْعَمْ نُقَاخاً ولا بَرْداً
الثاني: أنه خطاب له ولأمته، والتقدير: يا أيها النبي وأمته إذا طلقتم فحذف المعطوف لدلالة ما بعده عليه، كقوله: [الطويل]
4781 -.............................   إذَا أنْجَلَتْهُ رِجْلُهَا...................
أي: ويدها.

كقوله:سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81]، أي: والبرد.

الثالث: أنه خطاب لأمته فقط بعد ندائه - عليه الصَّلاة والسلام - وهو من تلوين الخطاب، خاطب أمته بعد أن خاطبه.

الرابع: أنه على إضمار قول، أي: يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم النساء.

قال القرطبي: قيل: إنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، وغاير بين اللفظين من حاضر وغائب، وذلك لغة فصيحة، كقوله:إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [يونس: 22]، والتقدير: يا أيها النبي قل لهم: إذا طلقتم النساء، فطلقوهن لعدتهن، وهذا هو قولهم: إن الخطاب له وحده، والمعنى له وللمؤمنين، وإذا أراد الله بالخطاب المؤمنين لاطفه بقوله: { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } ، وإذا كان الخطاب باللفظ والمعنى جميعاً له قال: { يا أيها الرسول }.

قال القرطبي: ويدلّ على صحة هذا القول نزول العدة في أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية.

روى أبو داود: أنها طُلِّقت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن للمطلَّقة عدّة، فأنزل الله - تعالى - العِدّة للطلاق حين طُلقت أسماء، فكانت أولَّ من أُنزل فيها العدة للطلاق.

الخامس: قال الزمخشري: " خصّ النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء وعمّ بالخطاب؛ لأن النبي إمام أمته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا كيت وكيت اعتباراً لتقدمه وإظهاراً لترؤسه " في كلامٍ حسنٍ.

وهذا هو معنى القول الثالث المتقدم.

قال القرطبي: وقيل: المراد به نداء النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً له، ثم ابتدأ: { إذا طلّقتم النساء } ، كقوله تعالى:يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ } [المائدة: 90] الآية فذكر المؤمنين تكريماً لهم، ثم افتتح فقال:إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ } [المائدة: 90] الآية.

وقوله: { إِذَا طَلَّقْتُمُ } أي: إذا أردتم، كقوله:إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } [المائدة: 6]فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ } [النحل: 98]. وتقدم تحقيقه.

فصل في طلاق النبي صلى الله عليه وسلم

روى ابن ماجة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة ثم راجعها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7