قوله تعالى: { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ }. قال ابن الخطيب: وجه تعلق هذه السورة بآخر ما قبلها، هو أنه تعالى أشار في آخر التي قبلها إلى كمال علمه بقوله:{ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } [التغابن: 18]، وفي أول هذه السورة أشار إلى كمال علمه بمصالح النِّساء، والأحكام المخصوصة بطلاقهن، فكأنه بيّن ذلك الكلي بهذه الجزئيات. فصل في هذا الخطاب. وهذا الخطاب فيه أوجه: أحدهما: أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خوطب بلفظ الجمع تعظيماً له؛ كقوله: [الطويل]
4780 - فَإنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّساءَ سِوَاكُمُ
وإنْ شِئْتُ لَمْ أطْعَمْ نُقَاخاً ولا بَرْداً
الثاني: أنه خطاب له ولأمته، والتقدير: يا أيها النبي وأمته إذا طلقتم فحذف المعطوف لدلالة ما بعده عليه، كقوله: [الطويل]
4781 -.............................
إذَا أنْجَلَتْهُ رِجْلُهَا...................
أي: ويدها. كقوله:{ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81]، أي: والبرد. الثالث: أنه خطاب لأمته فقط بعد ندائه - عليه الصَّلاة والسلام - وهو من تلوين الخطاب، خاطب أمته بعد أن خاطبه. الرابع: أنه على إضمار قول، أي: يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم النساء. قال القرطبي: قيل: إنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، وغاير بين اللفظين من حاضر وغائب، وذلك لغة فصيحة، كقوله:{ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [يونس: 22]، والتقدير: يا أيها النبي قل لهم: إذا طلقتم النساء، فطلقوهن لعدتهن، وهذا هو قولهم: إن الخطاب له وحده، والمعنى له وللمؤمنين، وإذا أراد الله بالخطاب المؤمنين لاطفه بقوله: { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } ، وإذا كان الخطاب باللفظ والمعنى جميعاً له قال: { يا أيها الرسول }. قال القرطبي: ويدلّ على صحة هذا القول نزول العدة في أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية. روى أبو داود: أنها طُلِّقت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن للمطلَّقة عدّة، فأنزل الله - تعالى - العِدّة للطلاق حين طُلقت أسماء، فكانت أولَّ من أُنزل فيها العدة للطلاق. الخامس: قال الزمخشري: " خصّ النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء وعمّ بالخطاب؛ لأن النبي إمام أمته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا كيت وكيت اعتباراً لتقدمه وإظهاراً لترؤسه " في كلامٍ حسنٍ. وهذا هو معنى القول الثالث المتقدم. قال القرطبي: وقيل: المراد به نداء النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً له، ثم ابتدأ: { إذا طلّقتم النساء } ، كقوله تعالى:{ يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ } [المائدة: 90] الآية فذكر المؤمنين تكريماً لهم، ثم افتتح فقال:{ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ } [المائدة: 90] الآية. وقوله: { إِذَا طَلَّقْتُمُ } أي: إذا أردتم، كقوله:{ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } [المائدة: 6]{ فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ } [النحل: 98]. وتقدم تحقيقه. فصل في طلاق النبي صلى الله عليه وسلم روى ابن ماجة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة ثم راجعها.