الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }

{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ }؛ الخطابُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنون داخِلُون فيهِ؛ لأن خطابَ الرئيسِ خطابٌ للأَتباعِ، خُصوصاً إذا كانوا مأْمُورين بالاقتداءِ به، والمعنى: يا أيُّها النبيُّ إذا أردتَ أنتَ وأُمَّتُكَ الطلاقَ، فطَلِّقوا النساءَ لعِدَّتِهِنَّ، وهذا كقوله تعالىيَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } [المائدة: 6] أي أرَدتُم القيامَ.

والطلاقُ للعدَّةِ هو أن يطلِّقَها في طُهرٍ لم يَمسَّها فيه، لما رُوي " أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ حِينَ سُئِلَ عَنِ الطَّلاَقِ: " طَلِّقْهَا طَاهِراً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، أوْ حَامِلاً قَدِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا " " ويقالُ في معنى الطَّلاقِ للعدَّة: أن يُفرِّقَ الطلاقَ الثلاثَ على أطْهَار العدَّةِ، فيطلِّقُها في كلِّ طُهرٍ لم يمسَّها فيه تطليقةً.

والطلاق السُّني: أن يُطلِّقَها في طُهرٍ لم يُجامِعها فيه، فقد رُوي: " أنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا، فَإذا أرَادَ أنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ قَبْلَ أنْ يُجَامِعْهَا " فتلكَ العدَّةُ التي أمرَ اللهُ أن تطلَّقَ لها النساءُ.

والطلاقُ البْدِعْيُّ: أن يقعَ في حال الحيضِ، أو في طُهرٍ قد جامَعها فيه، وهو واقعٌ وصاحبهُ آثِمٌ، ورُوي: " أنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذكَرَ عُمَرُ ذلِكَ لِلنِّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإذا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا إنْ شَاءَ " قُلْتُ: وَيَحْتَسِبُ لَهَا؟ قَالَ: " فَمَهْ؟ " ".

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ }؛ إنما أمرَ بإحصاءِ العدَّة لتوزيعِ الطَّلاق على الأطهار، والمعنى بذلكَ: أحصُوا عدَّةَ المطلَّقات لِمَا تُريدون من رجعةٍ أو تسريح، فإذا حاضَتِ المعتدَّةُ حيضةً وطَهُرت، فأرادَ الزوجُ أن يطلِّقَها ثانيةً قبلَ أن تحيضَ، فإذا حاضَتْ وطَهُرت طلَّقَها أُخرى إنْ شاءَ، فتَبينُ الثلاثُ وقد بقي من عدَّتِها حيضةٌ.

قَوْلُه تَعَالَى: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ }؛ أي اتَّقوهُ في النِّساء إذا طلَّقتمُوهن واحدةً أو اثنتينِ أو ثلاثاً، { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ }؛ التي طلَّقتُموهن فيها، وهي بيوتُ أزواجِهن، والمعنى: اتَّقوا اللهَ فلا تَعْصُوهُ فيما أمَرَكم به، فلا يجوزُ للزوجِ أن يُخرجَ المطلَّقة المعتدَّة من مَسْكَنِهِ الذي كان يُساكنها فيه قبلَ الطَّلاق.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ }؛ أي ولا يَخرُجْنَ من قِبَلِ أنفُسِهن حتى تنقضي عدَّتُهن، ولهذا لا يباحُ لها السفرُ في العدَّة، ولا يباحُ لها التزوُّج وإنْ أذِنَ لها الزوجُ. وأما المنكُوحة فيجوزُ لها الخروج من المنْزِل بإذنِ الزوج.

قوله تعالى: { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } أي لا يَخرُجن إلاَّ أن يكون خروجُهن معصيةً، وقال الحسنُ: (مَعْنَاهُ: إلاَّ أنْ يَزْنِينَ فَيَظْهَرُ ذلِكَ الزِّنَا عَلَيْهَا بشَهَادَةِ أرْبَعَةٍ مِنَ الشُّهُودِ، فَيَخْرُجْنَ لإقَامَةِ الْحُدُودِ).

السابقالتالي
2