الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

بيان غرض السورة بيان الأصول الثلاثة وحدانيته تعالى في ربوبيته ورسالة الرسول والمعاد إليه وتقرير الحجة لذلك وقد توسل لذلك بعد جمل من نعمه العظيمة السماوية والأرضية والإِشارة إلى تدبيره المتقن لأمر العالم عامة والإِنسان خاصة. وقد قدم على هذا التفصيل الإِشارة الإِجمالية إلى انحصار فتح الرحمة وإمساكها وهو إفاضة النعمة والكف عنها فيه تعالى بقوله { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها } الآية. وقدم على ذلك الإِشارة إلى وسائط هذه الرحمة المفتوحة والنعم الموهوبة وهم الملائكة المتوسطون بينه تعالى وبين خلقه في حمل أنواع النعم من عنده تعالى وإيصالها إلى خلقه فافتتح السورة بذكرهم. والسورة مكية كما يدل عليه سياق آياتها، وقد استثنى بعضهم آيتين وهما قوله تعالى { إن الذين يتلون آيات الله } الآية وقوله { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا } الآية وهو غير ظاهر من سياق الآيتين. قوله تعالى { الحمد لله فاطر السماوات والأرض } الفطر - على ما ذكره الراغب - هو الشق طولاً فإطلاق الفاطر عليه تعالى بعناية استعارية كأنه شق العدم فأخرج من بطنها السماوات والأرض فمحصل معناه أنه موجد السماوات والأرض إيجاداً ابتدائياً من غير مثال سابق، فيقرب معناه من معنى البديع والمبدع والفرق بين الإِبداع والفطر أن العناية في الإِبداع متعلقة بنفي المثال السابق وفي الفطر بطرد العدم وإيجاد الشيء من رأس لا كالصانع الذي يؤلف مواد مختلفة فيظهر به صورة جديدة لم تكن. والمراد بالسماوات والأرض مجموع العالم المشهود فيشملهما وما فيهما من مخلوق فيكون من قبيل إطلاق معظم الأجزاء وإرادة الكل مجازاً، أو المراد نفس السماوات والأرض اعتناء بشأنهما لكبر خلقتهما وعجيب أمرهما كما قاللخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس } غافر 57. وكيف كان فقوله { فاطر السماوات والأرض } من أسمائه تعالى أُجريَ صفة لله والمراد بالوصف الاستمرار دون الماضي فقط لأن الإِيجاد مستمرٌّ وفيض الوجود غير منقطع ولو انقطع لانعدمت الأشياء. والإِتيان بالوصف بعد الوصف للإِشعار بأسباب انحصار الحمد فيه تعالى كأنه قيل الحمد لله على ما أوجد السماوات والأرض وعلى ما جعل الملائكة رسلاً أُولي اجنحة فهو تعالى محمود ما أتى فيما أتى إلا الجميل. قوله تعالى { جاعل الملائكة رسلاً أُولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع } الملائكة جمع ملك بفتح اللام وهم موجودات خلقهم الله وجعلهم وسائط بينه وبين العالم المشهود وكلهم بأمور العالم التكوينية والتشريعية عباد مكرمون لا يعصون الله فيما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. فقوله تعالى { جاعل الملائكة رسلاً } يشعر بل يدل على كون جميع الملائكة - والملائكة جمع محلى باللام مفيد للعموم - رسلاً وسائط بينه وبين خلقه في إجراء أوامره التكوينية والتشريعية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6