الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } قد مضى { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } الخلق قد يطلق على مطلق الايجاد سواء كان مسبوقاً بمدّة ومادّةٍ وهو الخلق بالمعنى الاخصّ كالمواليد او مسبوقاً بمادّة دون المدّة وهو الاختراع كالافلاك وما فى جوفها من العناصر، او لم يكن مسبوقاً بشيءٍ منها مع التعلّق بالمادّة وهو الانشاء كالنّفوس، او بدونه وهو الابداع كالعقول، والجعل المتعدّى لواحد بمعنى الخلق لكنّ الاغلب استعماله فيما له تعلّق بمحلٍّ او شيءٍ آخر عرضاً كان او جوهراً كقولههُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ } [الملك:23] لما فيه من شوب معنى التّصيير، ولمّا كان النّور والظّلمة العرضيّان متعلّقين بالمحلّ ذكر الخلق بالمعنى الاعمّ فى ايجاد السّماوات والارض والجعل فى ايجاد النّور والظّلمة، والسّماء اسم لما له ارتفاع وتأثير فيما دونه والافلاك الطّبيعيّة احد مصاديقها، فانّ العقول الطّوليّة يعنى الملائكة المقرّبين والّذين هم قيام لا ينظرون والعقول العرضيّة يعنى الملائكة الصّافات صفّاً والنّفوس الكلّيّة المدبّرات امراً والنّفوس الجزئيّة الرّكّع والسّجّد والاشباح المثاليّة ذوات الاجنحة كلّها سماوات، والارض اسم لما فيه تسفّل وقبول عن الغير فالارض الغبراء وعالم الطّبع بسمائها وارضها والاشباح الظّلمانيّة يعنى عالم الجنّة والشّياطين بل الاشباح النّوريّة كلّها ارض بالنّسبة الى عالم الارواح لتسفّلها وتأثّرها عنه، والمادّة الاولى المسمّاة بالهيولى والثّانية المسمّاة بالجسم والثّالثة المسمّاة بالعنصر والرّابعة المسمّاة بالجماد والخامسة المسمّاة بالنّبات والسّادسة المسمّاة بالحيوان والسّابعة المسمّاة بالبشر كلّها اراضٍ بالنّسبة الى الصّور والنّفوس وكلّها طبقات متراكمة ودركات متلاحمة فى وجود الانسان، والارض الغبراء ارض بالنّسبة الى الافلاك ودركات العالم الظّلمانىّ السّفلىّ الّذى فيه الجنّة والشّياطين ودركات الجحيم ودار المعذّبين اراضٍ بالنّسبة الى عالم المثال، ومن الارض مثلهنّ اشارة الى ما ذكر من مراتب العالم السّفلىّ او مراتب الموادّ وقد اطلق فى الاخبار السّماء والارض على غير ما ذكر من الصّفات والاخلاق وطبقات السّماء باعتبار محيطيّتها ومحاطيتها والكلّ راجع الى ما ذكر لهما من المفهوم وقد قيل بالفارسيّة:
آسمانها ست در ولايت جان   كار فرماى آسمان جهان
وفى الاخبار ما يدلّ على تعدّد السّماوات فى عالم الارواح ولتقدّم السّماوات شرفاً ووجوداً ورتبةً وعلّيّةً من حيث النّزول قدّمها على الارض، وجمع السّماوات وافراد الارض ههنا وفى اكثر الآيات للاشارة الى كثرة السّماوات وقلّة الارض وانّ الارض مع تعدّدها وكثرتها من حيث محاطيّتها امر واحد وانّ طبقاتها متراكمة بحيث انّ الدّانية فانية فى العالية ومتّحدة معها، وليست السّماوات كذلك فانّها كثيرة محيطة مستقلّة غير متراكمة، بين كلّ سماء وسماء مسافة بعيدة، والنّور اسم للظّاهر بذاته والمظهر لغيره وهذا المعنى حقيقةً حقّ حقيقة الوجود الّتى هى حقيقة الحقّ الاوّل تعالى شأنه، فانّه ظاهر بذاته من غير علّة وفاعل يظهره ومظهر لغيره من الانوار الحقيقيّة والعرضيّة وظلمات المهيّات والحدود ونقائص الاعدام وطلسمات عالم الطّبع وعالم الجنّة والشّياطين فالحق الاوّل تعالى احد مصاديق النّور والمقصود ههنا غيره تعالى لتعلّق الجعل به وليس الاوّل تعالى مجعولاً والاولى بالنّوريّة بعد الحقّ الاوّل تعالى الحقّ المضاف الّذى هو فعل الاوّل تعالى وكلمته واضافته الاشراقيّة والحقيقة المحمّديّة (ص) والمشيّة الّتى خلق الاشياء بها وهو ايضاً حقيقة واحدة بوحدة الحقّ الاوّل وهو ظهوره وتجليّه الفعلىّ واسمه الاعظم وهو تجلّيه تعالى على الاشياء.

السابقالتالي
2 3