الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }

{ تَبَّتْ } أي هلكت كما قال ابن جبير وغيره ومنه قولهم أشابة أم تابة؟ يريدون أم هالكة من الهرم والتعجيز أي خسرت كما قال ابن عباس وابن عمر وقتادة وعن الأول أيضاً خابت وعن يمان بن وثاب صفرت من كل خير وهي على ما في «البحر» أقوال متقاربة وقال الشهاب إن مادة التباب تدور على القطع وهو مؤد إلى الهلاك.

ولذا فسر به وقال الراغب هو الاستمرار في الخسران ولتضمنه الاستمرار قيل استتب لفلان كذا أي استمر ويرجع هذا المعنى إلى الهلاك.

{ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } هو عبد العزى بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد المعاداة والمناصبة له عليه الصلاة والسلام ومن ذلك ما في «المجمع» عن طارق المحاربـي قال بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا برجل حديث السن يقول أيها الناس قولوا لا إلٰه إلا الله تفلحوا وإذا رجل خلفه يرميه قد أدمي ساقيه وعرقوبيه ويقول يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدقوه فقلت من هذا فقالوا هو محمد صلى الله عليه وسلم يزعم أنه نبـي وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب وأخرج الإمام أحمد والشيخان والترمذي عن ابن عباس قال " لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] صعد النبـي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يابني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب تبّاً لك سائر الأيام ألهذا جمعتنا فنزلت ويروى أنه مع ذلك القول أخذ بيديه حجراً ليرمي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذا يعلم وجه إيثار التباب على الهلاك ونحوه مما تقدم وإسناده إلى يديه وكذا مما روى البيهقي في «الدلائل» عن ابن عباس أيضاً أن أبا لهب قال لما خرج من الشعب وظاهر فريشاً إن محمداً يعدنا أشياء لا نراها كائنة يزعم أنها كائنة بعد الموت فماذا وضع في يديه ثم نفخ في يديه ثم قال تباً لكما ما أرى فيكما شيئاً مما يقول محمد صلى الله عليه وسلم فنزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } ومما روي عن طارق يعلم وجه الثاني فقط فاليدان على المعنى المعروف والكلام دعاء بهلاكهما.

وقوله سبحانه { وَتَبَّ } دعاء بهلاك كله وجوز أن يكونا إخبارين بهلاك ذينك الأمرين والتعبير بالماضي في الموضعين لتحقق الوقوع وقال الفراء الأول دعاء بهلاك جملته على أن اليدين إما كناية عن الذات والنفس بما بينهما من اللزوم في الجملة أو مجاز من إطلاق الجزء على الكل كما قال محي السنة والقول في رده أنه يشترط أن يكون الكل يعدم بعدمه كالرأس والرقبة واليد ليست كذلك غير مسلم لتصريح فحول بخلافه هنا وفي قوله تعالى

السابقالتالي
2 3