الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

تعرَّضنا للسور التي بُدئت بالحمد لله، وهي: الأنعام، والكهف، وسبأ. وهنا في فاطر، والحمد في كل منها له معنى وله مناسبة لأن الإنسان احتاج إلى إيجاد من عدم، ثم وسائل إبقاء في الحياة الدنيا، ثم احتاج إلى إيجاد بعد البعث، وأيضاً وسائل إبقاء في الآخرة. فسورة الكهف تعرضت لحمد الله على المنهجٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ.. } [الكهف: 1] لأن المنهج هو وسيلة الاستبقاء للإنسان، فلولا أن المنهج يُبيِّن للناس الحق والباطل لتفاني الخَلْق، وما استقامتْ لهم الحياة، أما سورة سبأ فتعرضت لحمد الله على نعمه في الدنيا وفي الآخرة. وهنا في فاطر: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً } [فاطر: 1] فذكرتْ الحمد على وسائل الإبقاء كلها، المادي منها المتمثل في مُقوِّمات الحياة المادية، والمعنوي منها المتمثل في منهج الله. والحمد على إطلاقه لله تعالى، حتى إنْ توجه للبشر، فمردُّه إلى الله، لأنك حين تحمد البشر تحمده على شيء قدَّمه لك، هذا الشيء ليس مِنْ مِلْكه في الحقيقة، ولا من ذاته، إنما هو من فيض الله عليه، فهو مناول عن الله، وإنْ قدّم لك عملاً فإنما يقدِّمه بالطاقة التي خلقها الله فيه، وبالجوارح التي انفعلتْ بخَلْق الله فيه، إذن: فالحمد بكل صيغة راجع إلى الله تعالى. ثم يأتي بحيثية من حيثيات حَمْد الله، فيقول: { فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [فاطر: 1] ومعنى فاطر السماوات والأرض: خلقها ومُبدعها على غير مثال سابق يُحتذى به، وهذه مسألة تستحق الحمد لأن الله تعالى كرَّم الإنسان الخليفة في الأرض، فسَوَّدهُ على سائر الأجناس وكرَّمه بالعقل الذي يختار بين البدائل. وبعد ذلك بيَّن سبحانه إنْ كان خَلْق الإنسان مُعْجزاً، وإن كان هو السيد المخدوم من جميع الأجناس، فإنَّ خَلْق السماوات والأرض أكبر من خَلْق الناس وأعظم لذلك لما تكلم سبحانه عن حمد الله ذكر أكبر المخلوقات وأعظمها، وهي السماوات والأرض. والسماء هي كل ما علاك، لذلك تُطلق على السحاب، فهو السماء التي ينزل منها المطر، كما قال سبحانهفَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } [القمر: 11] وليست هذه هي السماء المقابلة للأرض. والله تعالى يقول في خلق السماوات السبع:ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً } [الملك: 3] يعني: ليس بها فتوق أو شقوق، فكيف إذن تنزل الملائكة ومسكنهم السماء، كيف ينزلون إلى الأرض؟ قال الحق سبحانه وتعالى:تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } [القدر: 4]. الحق سبحانه يُقرِّب لنا وظيفة الملائكة، وأنها خاصة بالسماء صعوداً وهبوطاً، فقال في آية فاطر { جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ } [فاطر: 1] فعملهم إذن في السماء، لكن كيف يَنْفُذون من السماء، وليس بها فتوق ولا شقوق، قالوا: ينفذون لأن طبيعتهم الملائكية الشفافة تسمح لهم بذلك، فالإنسان مثلاً خُلِق من طين، والطين له جِرْم ومادة لا تمكنه أنْ ينفذ من شيء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7