الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

وساعة يدعو الله سبحانه الناس إلى تقواه يقول: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ.. } [النساء: 1] ومعنى { ٱتَّقُواْ رَبَّكُم.. } [النساء: 1] أي اجعلوا بينكم وبينه وقاية، وماذا أفعل لأتقي ربنا؟ أول التقوى أن تؤمن به إلهاً، وتؤمن أنه إله بعقلك، إنه - سبحانه - يعرض لك القضية العقلية للناس فيقول: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ.. } [النساء: 1] ولم يقل: اتقوا الله، لأن الله مفهومه العبادة، فالإله معبود له أوامر وله نواهٍ، لم يصل الحق بالناس لهذه بعد، إنما هم لا يزالون في مرتبة الربوبية، والرب هو: المتولي تربية الشيء، خلقاً من عدم وإمداداً من عدم، لكن أليس من حق المتولي خلق الشيء، وتربيته أن يجعل له قانون صيانة؟ إن من حقه ومسئوليته أن يضع للمخلوق قانون صيانة. ونحن نرى الآن أن كل مخترع أو صانع يضع لاختراعه أو للشيء الذي صنعه قانون صيانة، بالله أيخلق سبحانه البشر من عدم وبعد ذلك يتركهم ليتصرفوا كما يشاؤون؟ أم يقول لهم: اعملوا كذا وكذا ولا تعملوا كذا وكذا، لكي تؤدوا مهمتكم فى الحياة؟ إنه يضع دستور الدعوة للإيمان فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ.. } [النساء: 1]. إذن فالمطلوب منهم أن يتقوا، ومعنى يتقوا أن يقيموا الوقاية لأنفسهم بأن ينفذوا أوامر هذا الرب الإله الذي خلقهم، وبالله أيجعل خلقهم علة إلا إذا كان مشهوداً بها له؟ هو سبحانه يقول: { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ.. } [النساء: 1] كأن خلقة ربنا لنا مشهود بها، وإلا لو كان مشكوكاً فيها لقلنا له: إنك لم تخلقنا - ولله المثل الأعلى. أنت تسمع مَنْ يقول لك: أحسن مع فلان الذي صنع لك كذا وكذا، فأنت مقر بأنه صنع أم لا؟ فإذا أقررت بأنه صنع ما صنع فأنت تستجيب لمَنْ يقول لك مثل ذلك الكلام. إذن فقول الله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ.. } [النساء: 1] فكأن خلق الله للناس ليس محل جدال ولا شك من أحد، فأراد - سبحانه - أن يجذبنا إليه ويأخذنا إلى جنابه بالشيء الذي نؤمن به جميعاً وهو أنه - سبحانه - خلقنا إلى الشيء الذي يريده وهو أن نتلقى من الله ما يقينا من صفات جلاله، وجاء سبحانه بكلمة " رب " ولم يقل: " اتقوا الله " لأن مفهوم الرب هو الذي خلق من عدم وأمد مَنْ عُدْم، وتعهد وهو المربي ويبلغ بالإنسان مرتبة الكمال الذي يراد منه وهو الذي خلق كل الكون فأحسن الخلق والصنع، ولذلك يقول الحق:وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7