الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاء } خص النداء به صلى الله عليه وسلم وعم الخطاب بالحكم لأن النبـي عليه الصلاة والسلام إمام أمته كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا كيت وكيت - إظهاراً لتقدمه واعتباراً لترؤسه، وأنه المتكلم عنهم والذي يصدرون عن رأيه ولا يستبدون بأمر دونه فكان هو وحده في حكمهم كلهم وساداً مسد جميعهم، وفي ذلك من إظهار جلالة منصبه عليه الصلاة والسلام ما فيه، ولذلك اختير لفظ { ٱلنَّبِىّ } لما فيه من الدلالة على علو مرتبته صلى الله عليه وسلم، وقيل: الخطاب كالنداء له صلى الله عليه وسلم إلا أنه اختير ضمير الجمع للتعظيم نظير ما في قوله:
ألا فارحموني يا إلٰه محمد   
وقيل: إنه بعد ما خاطبه عليه الصلاة والسلام بالنداء صرف سبحانه الخطاب عنه لأمته تكريماً له صلى الله عليه وسلم لما في الطلاق من الكراهة فلم يخاطب به تعظيماً، وجعل بعضهم الكلام على هذا بتقدير القول أي قل لأمتك: إذا طلقتم، وقيل: حذف نداء الأمة، والتقدير يا أيها النبـي / وأمة النبـي إذا طلقتم. وأياً مّا كان فالمعنى إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف للفعل منزلة الشارع فيه، واتفقوا على أنه لولا هذا التجوز لم يستقم الكلام لما فيه من تحصيل الحاصل، أو كون المعنى إذا طلقتم فطلقوهن مرة أخرى وهو غير مراد، وقال بعض المحققين: لك أن تقول: لا حاجة إلى ذلك بل هو من تعليق الخاص بالعام وهو أبلغ في الدلالة على اللزوم كما يقال: إن ضربت زيداً فاضربه ضرباً مبرحاً، لأن المعنى إن يصدر منك ضرب فليكن ضرباً شديداً، وهو أحسن من تأويله بالإرادة فتدبر انتهى، وأنت تعلم أن المتبادر فيما ذكره كونه على معنى الإرادة أيضاً.

{ فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أي لاستقبال عدتهن، واللام للتوقيت نحو كتبته لأربع ليال يقين من جمادى الأولى، أو مستقبلات لها على ما قدره الزمخشري، وتعقبه أبو حيان بما فيه نظر.

واعتبار الاستقبال رأي من يرى أن العدة بالحيض - وهي القروء في آية البقرة كالإمام أبـي حنيفة ـ ليكون الطلاق في الطهر وهو الطلاق المأمور به، والمراد بالأمر بإيقاعه في ذلك، النهيُ عن إيقاعه في الحيض. وقد صرحوا جميعاً بأن ذلك طلاق بدعي حرام، وقيد الطهر بكونه لم يجامعن فيه، واستدل لذلك، ولاعتبار الاستقبال بما أخرجه الإمامان: مالك والشافعي والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وآخرون " عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر رضي الله تعالى عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9