الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } أي المتزمل من تزمل بثيابه إذا تلفف بها فأدغم التاء في الزاي. وقد قرأ أبـي على الأصل، وعكرمة (المزمل) بتخفيف الزاي وكسر الميم أي المزمل جسمه أو نفسه وبعض السلف (المزمل) بالتخفيف وفتح الميم اسم مفعول، ولا تدافع بين القراآت فإنه عليه الصلاة والسلام هو زمل نفسه الكريمة من غير شبهة لكن إذا نظر إلى أن كل أفعاله من الله تعالى فقد زمله / غيره ولا حاجة إلى أن يقال أنه صلى الله عليه وسلم زمل نفسه أولاً ثم نام فزمله غيره أو أنه زمله غيره أولاً ثم سقط عنه ما زمل به فزمل هو نفسه.

والجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره رجع إلى خديجة رضي الله تعالى عنها فقال " زملوني زملوني " فنزلتيٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } [المدثر: 1] وعلى أثرها نزلت { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } وأخرج البزار والطبراني في «الأوسط» وأبو نعيم في «الدلائل» عن جابر رضي الله تعالى عنه قال لما اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا سموا هذا الرجل اسماً تصدر الناس عنه فقالوا كاهن قالوا ليس بكاهن قالوا مجنون قالوا ليس بمجنون قالوا ساحر قالوا ليس بساحر قالوا يفرق بين الحبيب وحبيبه فتفرق المشركون على ذلك فبلغ ذلك النبـي صلى الله عليه وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها فأتاه جبريل عليه السلام فقال { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } ونداؤه عليه الصلاة والسلام بذلك تأنيس له وملاطفة على عادة العرب في اشتقاق اسم للمخاطب من صفته التي هو عليها " كقوله صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله تعالى وجهه حين غاضب فاطمة رضي الله تعالى عنها فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب قم أبا تراب " قصداً لرفع الحجاب وطي بساط العتاب وتنشيطاً له ليتلقى ما يرد عليه بلا كسل:
وكل ما يفعل المحبوب محبوب   
وزعم الزمخشري أنه عليه الصلاة والسلام نودي بذلك تهجيناً للحالة التي عليها من التزمل في قطيفة واستعداده للاستثقال في النوم كما يفعل من لا يهمه أمر ولا يعنيه شأن إلى آخر ما قال مما ينادي عليه كما قال الأكثرون بسوء الأدب ووافقه في بعضه من وافقه. وقال صاحب «الكشف» أراد أنه عليه الصلاة والسلام وصف بما هو ملتبس به يذكره تقاعده فهو من لطيف العتاب الممزوج بمحض الرأفة ولينشطه ويجعله مستعداً لما وعده تعالى بقوله سبحانه:إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } [المزمل: 5] ولا يربأ برسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا النداء فقد خوطب بما هو أشد في قوله تعالى:عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } [عبس: 1] ومثل هذا من خطاب الإدلال والترؤف لا يتقاعد ما في ضمنه من البر والتقريب عما في ضمن { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ } من التعظيم والترحيب انتهى ولا يخفى أنه لا يندفع به سوء أدب الزمخشري في تعبيره فإنه تعالى وإن كان له أن يخاطب حبيبه بما شاء لكنا نحن لا نجري على ما عامله سبحانه به بل يلزمنا الأدب والتعظيم لجنابه الكريم، ولو خاطب بعض الرعايا الوزير بما خاطبه به السلطان طرده الحجاب وربما كان العقاب هو الجواب.

السابقالتالي
2