الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }

الشرح في الأصل الفسح والتوسعة وشاع استعماله / في الإيضاح ومنه شرح الكتاب إذا أوضحه لما أن فسح الشيء وبسطه مستلزم لإظهار باطنه وما خفي منه، وكذا شاع في سرور النفس حتى لو قيل إنه حقيقة عرفية فيه لم يبعد وذلك إذا تعلق بالقلب كأن قيل شرح قلبه بكذا أي سره به لما أن القلب كالمنزل للنفس ويلزم عادة من فسح المنزل وتوسعته سرور النازل فيه وكذا إذا تعلق بالصدر الذي هو محل القلب وربما يؤذن ذلك بسعة القلب لما أن العادة كالمطردة في أن توسعة ما حوالي المنزل إنما تكون إذا كان المنزل واسعاً فيوسع ما حواليه لتحصيل زيادة بهجة ونحوها فيه فينتقل منه إلى سرور النفس بالواسطة وقد يراد به إذا تعلق بالقلب أو الصدر أيضاً تكثير ما فيه من المعلومات فقيل يتخيل أنها تحتاج إلى فضاء تكون فيه وأن ذلك محل لها فمتى كانت كثيرة اقتضت أن يكون محلها واسعاً ليسعها وقد يراد بها تكثير ما في النفس من ذلك فقيل أيضاً بتخيل أن تكثير معلوماتها يستدعي توسيعها وتوسيعها يستدعي توسيع ذلك لتنزيله منزلة محلها وقد يراد به تأييد النفس بقوة قدسية وأنوار إلٰهية بحيث تكون ميداناً لمواكب المعلومات وسماء لكواكب الملكات وعرشاً لأنواع التجليات وفرشاً لسوائم الواردات فلا يشغله شأن عن شأن ويستوي لديه يكون وكائن وكان.

ووجه نسبته إلى الصدر على نحو ما مر وإرادة القلب من الصدر والنفس من القلب بعلاقة المحلية ونحوها مما لا تميل إليه النفس وإرادة كل مما ذكر بقرينة المقام والأنسب بمقام الامتنان هنا إرادة هذا المعنى الأخير وجوز غيره فالمعنى ألم نفسح صدرك حتى حوى عالمي الغيب والشهادة وجمع بين ملكتي الاستفادة والإفادة فما صدك الملابسة بالعلائق الجسمانية عن اقتباس أنوار الملكات الروحانية وما عاقك التعلق بمصالح الخلق عن الاستغراق في شؤون الحق وقيل المعنى ألم نزل همك وغمك بإطلاعك على حقائق الأمور وحقارة الدنيا فهان عليك احتمال المكاره في الدعاء إلى الله تعالى. ونقل عن الجمهور أن المعنى ألم نفسحه بالحكمة ونوسعه بتيسيرنا لك نلقي ما يوحى إليك بعد ما كان يشق عليك.

وعن ابن عباس وجماعة أنه إشارة إلى شق صدره الشريف في صباه عليه الصلاة والسلام وقد وقع هذا الشق على ما في بعض الأخبار وهو عند مرضعته حليمة فقد روي عنها أنها قالت في شأنه عليه الصلاة والسلام لم نزل نتعرف من الله تعالى الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته فكان يَشِبُّ شباباً لا يَشِبُّهُ الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على بقائه عندنا لما نرى من بركته فقلنا لأمه لو تركتيه عندنا حتى يغلظ فإنا نخشى عليها وباء مكة فلم نزل بها حتى ردته معنا فرجعنا به فوالله إنه لبعد مقدمنا به بشهر أو ثلاثة مع أخيه من الرضاعة لفي بهم لنا خلف بيوتنا جاء أخوه يشتد فقال ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه وشقا بطنه فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فوجدناه قائماً منتقعاً لونه فاعتنقه أبوه وقال: أي بني ما شأنك قال جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني ثم استخرجا منه شيئاً فطرحاه ثم رداه كما كان فرجعنا به معنا فقال أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب فانطلقي فرديه إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوفه قالت فاحتملناه إلى أمه فقالت ما ردكما به فقد كنتما حريصين عليه قلنا نخشى [عليه] الأتلاف والأحداث فقالت ما ذلك بكما فأصدقاني شأنكما فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره فقالت أخشيتما عليه الشيطان كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وإنه لكائن لابني هذا شأن فدعاه عنكما.

السابقالتالي
2 3 4