الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ }

قوله: { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ }: فيه أوجهٌ: أحدُها: أنهما مبتدأٌ وخبرٌ. وفي ذلك تأويلان، أحدهما: أنه بمعنى السابقون، هم الذي اشْتُهِرَتْ حالُهم بذلك كقولِهم: أنت أنت، والناسُ الناسُ، وقولِه:
4201ـ أنا أبو النجمِ وشِعْري شِعْري   
وهذا يُقال في تعظيمِ الأمرِ وتفخيمهِ، وهو مذهبُ سُيبويه.

التأويل الثاني: أنَّ مُتَعلَّقَ السَّبْقَتْينِ مختلفٌ، إذ التقدير: والسابقونَ إلى الإِيمانِ السابقونَ إلى الجنة،/ أو السابقونَ إلى طاعةِ اللَّهِ السابقون إلى رحمتِه، أو السابقون إلى الخيرِ السابقون إلى الجنة.

الوجه الثاني: أَنْ يكونَ " السابقون " الثاني تأكيداً للأول تأكيداً لفظيَّاً، و " أولئك المقرَّبون " جملةٌ ابتدائيةٌ في موضوع خبرِ الأولِ، والرابطُ اسمُ الإِشارةِ، كقولِه تعالى: { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ } [الأعراف: 26] في قراءة مَنْ قرأ برفع " لباسُ " في أحد الأُوجه.

الثالث: أَنْ يكونَ " السابقون " نعتاً للأول، والخبرُ الجملةُ المذكورةُ. وهذا ينبغي أَنْ لا يُعَرَّجَ عليه، كيف يُوْصَفُ الشيءُ بلفِظه وأيُّ فائدةٍ في ذلك؟ والأقربُ عندي ـ إنْ وَرَدَتْ هذه العبارةُ مِمَّن يُعتبر ـ أَنْ يكون سَمَّى التأكيدَ صفةً، وقد فعل سيبويه قريباً من هذا.

الرابع: أَنْ يكونَ الوقفُ على قولِه " والسابقون " ويكونَ قولُه " السابقون، أولئك المقرَّبون " ابتداءً وخبراً، وهذا يقتضي أن يُعْطَفَ " والسابقون " على ما قبلَه، لكنْ لا يليق عَطْفُه على ما قبلَه ويليه، وإنما يليقُ عطفُه على " أصحابُ المَيْمنة " كأنه قيل: وأصحابُ الميمنة ما أصحابُ الميمنة، والسابقون، أي: ما السابقون تعظيماً لهم، فيكون شركاءَ لأصحابِ الميمنة في التعظيم، ويكون قولُه على هذا " وأصحابُ المَشْأمَةِ، ما أصحابُ المشأمة " اعتراضاً بين المتعاطفَيْن. وفي هذا الوجهِ تكلُّفٌ كثير جداً.