الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { يا أيها الذين آمنوا إِذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } ، والإمام على المنبر، و " مِن " بيان لـ " إذا " أو تفسير لها، وقيل: " مِن " بمعنى " في " كقوله:مَاذَا خَلَقُواْ مِن ألأَرْضِ } [فاطر:40 و الأحقاف:4] أي: في الأرض. وإنما سُمي جُمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة، وقيل: أول مَن سمّاها جمعة: كعب بن لؤي، وكان يُسمى العروبة، وقيل: إنَّ الأنصار قالوا قبل الهجرة: لليهود يومٌ يجتمعون فيه في كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك، فهلُموا نجعل يوماً نجتمع فيه، فنذكر الله نُصلّي، فقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوه يوم الجمعة، فاجتعوا إلى سعد بن زُرارة، فصلَّى بهم ركعتين، وذكَّرهم، فسموه يومَ الجمعة، لاجتماعهم فيه، فأنزل الله آية الجمعة ـ أي: بعد ذلك ـ تقريراً لفعلهم، فهي أول جمعة كانت في الإسلام. وأما أول جمعة جمعها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فهي لمَا قَدِم المدينةَ مهاجراً، نزل قباء، على بني عَمرو بن عوف، وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء الأربعاء والخميس، وأسّس مسجدهم، ثم خرج يوم الجمعة عامداً إلى المدينة، فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف، في بطن وادٍ لهم، وقد بنوا هناك مسجداً، فخطب، وصلّى الجمعة فيه. انظر الثعلبي. ويوم الجمعة سيد الأيام، وفي الحديث: " مَن مات يوم الجمعة كتب الله له أجر شهيد، ووُقي فتنة القبر ". فإذا نُودي للصلاة { فاسْعَوا إِلى ذكر الله } أي: امشوا واحضروا الخطبة والصلاة { وذَرُوا البيع } أي: اتركوا المعاملة كلها، وإنما خص البيع لأنّ يوم الجمعة كان سوقًا يتكاثر فيه البيع والشراء عند الزوال، فقيل لهم: بادِروا إلى تجارة الآخرة، واتركوا تجارة الدنيا، { واسْعَوا إِلى ذكر الله } الذي لا شيء أنفع منه، { ذالكم } أي: السعي إلى ذكر الله { خيرٌ لكم } من البيع والشراء { إِن كنتم تعلمون } الخير والشر الحقيقيين، أو: إن كنتم من أهل العلم. { فإِذا قُضِيَتِ الصلاةُ } أي: أُدّيت وفرغ منها { فانتشِرُوا في الأرض } ، أمْرُ إباحة، أي: اخرجوا لإقامة مصالحكم، { وابتغوا من فضل الله } الرزق، قال ابن عباس: " إنما هي عيادة المريض، وحضور الجنائز، وزيارة أخ في الله " ومثله في الحديث، وعن الحسن: طلب العلم، وقيل: صلاة التطوُّع. { واذكروا اللهَ كثيراً } ، أي: ذكراً كثيراً أو زمناً كثيراً، ولا تخصُّوا ذكره بالصلاة، { لعلكم تُفلحون } أي: كي تفوزوا بخير الدارين. { وإِذا رأَوْا تجارةً أو لهواً انفَضُّوا إِليها } ، " رُوي أنّ أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء شديد، فقَدِم دِحْيَة بن خَليفةَ، بتجارة من زيت الشام، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقاموا إليها خشية أن يُسبقوا إليه، فما بقي معه عليه السلام إلاّ ثمانية، أو اثنا عشر العشرة المبشَّرون بالجنة، وبلال وابن مسعود، وقيل: أربعون، وهذا مبنى الخلاف في عدد الجماعة التي تنعقد بهم وتجب عليهم، فقال مالك: تنعقد باثني عشر غير الإمام، وتجب على قرية يُمكنهم الإقامة والدفع عن أنفسهم في الغالب، وقال الشافعي: أربعون رجلاً وقال أبو حنيفة: لا بد من المصر الجامع، والسلطان القاهر، وتصح الصلاة عنده بأربعة. ولمّا انفضُّوا قال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده لو قاموا جميعاً لأضرم الله عليهم الوادي ناراً "

السابقالتالي
2 3