الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

وفيه إشراقات:

الإشراق الأوّل

في الإشارة إلى ما قيل فيه

قيل: إنّ الانتشار في الأرض ليس لطلب دنيا، ولكن مثل عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله.

وقال الحسن وسعيد بن جبير ومكحول: المراد من الابتغاء من فضل الله: طلب العلم.

وروري عن أبي عبد الله (ع) انّه قال: الصلاة يوم الجمعة. والانتشار يوم السبت.

وروى عمر بن زيد عن أبي عبد الله (ع) انّه قال: إنّي لأركب في الحاجة التي كفاها الله تعالى، ما أركب فيها إلاّ التماس أن يراني الله أضحى في طلب الحلال، أما تسمع قولا لله عزّ وجلّ: { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } ، أرأيتَ لو أنّ رجلاً دخل بيتا وطيّن عليه بابه ثمّ قال: " رزقي ينزل عليَّ " أكان يكون هذا؟ أمّا إنّه أحد الثلاثة الذين لا يُستجاب لهم.

قال: - قلت -: مَن هؤلاء الثلاثة؟

قال: رجل يكون عنده المرأة فيدعو عليها فلا يستجاب له لأنّ عصمتها في يده، لو شاء ان يخلّي سبيلها يخلّي سبيلها، والرجل يكون له الحقّ على الرجل ولا يشهد عليه فيجحده حقّه، فيدعو عليه فلا يستاب له، لأنّه ترك ما أمره به، والرجل لا يكون عنده الشيء فيجلس في بيته فلا ينتشر ولا يطلب ولا يلتمس حتّى يأكله، ثمّ يدعو فلا يستجاب له.

وعن بعض السلف أنّه كان يشغل نفسه بعد الجمعة بشيء من أمور الدنيا نظراً لهذه الآية.

الإشراق الثاني

في الإشارة إلى لبّ المعنى

إنّ الأمر بالانتشار في الأرض وابتغاء الفضل بعد قضاء الصلاة إشارة إلى الرجوع والمعاشرة مع الخلق بالإرشاد والتعليم، والانتشار في أرض الحقائق، ونشر الفضائل في أراضي قلوب المستعدّين، وإفاضة الصور الكماليّة على قوّة قابليّاتهم بعد العزلة عنهم والإنزعاج والتوحّش عن حصبتهم، والاختلاء مع الله والوقوف بين يديه بالصلاة الحقيقيّة.

فإنّ السالك في أوائل سلوكه وانزعاجه عن الخلق إلى الحقّ لا يحتمل الهمس من الحفيف، وأمّا بعد الوصول فإما له استغراق في الحقّ واشتغال به عن كلّ شيء وسير فيه ووقوف مع الجمع، فيكون أيضاً محجوباً بالحق عن الخلق، بل بالذات عن الصفات، وإمّا سعة للجانبين وانشراح صدر للطرفين، فالانتشار في الأرض هو السياحة في أرض الحقائق وإيفاء حقوق الخلائق بالمحبّة الأفعاليّة الناشية من محبّة الذات ومحبّة الصفات والأسماء، فيرى ذاته تعالى في مرائي الصفات، وصفاته في مظاهر الأسماء، فيقول بلسان حاله ومقاله - ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله فيه أو معه -، فيحبّ الخلائق بمحبّة خلاّقهم، ويبتغي من فضل الله بطلب حظوظ التجلّيات الصفاتيّة والأسمائيّة، ويرجع من سماء القدس إلى أرض النفس، لتوفية حظوظها بالحقّ، ويهبط من جنّة المعارف الإلهيّة إلى عالم البدن، لتوفية حظوظ النفس التي هي بمنزلة زوجة العقل في جنّة الصفات

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9