الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ }

{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودُ مِنَّا فَضْلاً } أي آتيناه لحسن إنابته وصحة توبته فضلاً أي نعمة وإحساناً، وقيل فضلاً وزيادة على سائر الأنبياء المتقدمين عليه أو أنبياء بني إسرائيل أو على ما عدا نبينا صلى الله عليه وسلم لأنه ما من فضيلة في أحد من الأنبياء عليهم السلام إلا وقد أوتي عليه الصلاة والسلام مثلها بالفعل أو تمكن منها فلم يختر إظهارها أو على الأنبياء مطلقاً وقد يكون في المفضول ما ليس في غيره، وقد انفرد عليه السلام بما ذكر هٰهنا، وقيل: أو على سائر الناس فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن. وتعقب بأنه إن أريد أن كلا منها فضل لا يوجد في سائر الناس فعدم مثل ملكه وصوته محل شبهة وإن أريد المجموع من حيث هو ففيه أنه غير موجود في الأنبياء أيضاً فلا وجه لتخصيصه بهذا الوجه. وأنا أرى الفضل لتفسير الفضل بالإحسان وتنكيره للتفخيم و { مِنَّا } أي بلا واسطة لتأكيد فخامته الذاتية بفخامته الإضافية كما في قوله تعالى:وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا } [الكهف: 65] وتقديمه على المفعول الصريح للاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ليتمكن في النفس عند وروده فضل تمكن.

وذكر شؤون داود وسليمان عليهما السلام هنا لمناسبة ذكر المنيب في / قوله تعالى:إِنَّ فِى ذَلِكَ لآية لكل عبد منيب } [سبأ: 9] كما أشرنا إليه، وقال أبو حيان: مناسبة قصتيهما عليهما السلام لما قبلها هي أن أولئك الكفار أنكروا البعث لاستحالته في زعمهم فأخبروا بوقوع ما هو مستحيل في العادة مما لا يمكنهم إنكاره إذ طفحت ببعضه أخبارهم وأشعارهم، وقيل: ذكر سبحانه نعمته عليهما احتجاجاً على ما منح نبينا صلى الله عليه وسلم كأنه قيل: لا تستبعدوا هذا فقد تفضلنا على عبيدنا قديماً بكذا وكذا فلما فرغ التمثيل له عليه الصلاة والسلام رجع التمثيل لهم بسبأ وما كان من هلاكهم بالكفر والعتو.

{ يٰجِبَالُ أَوّبِى مَعَهُ } أي سبحي معه قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد، وأخرجه ابن جرير عن أبـي ميسرة إلا أنه قال: معناه ذلك بلغة الحبشة، والظاهر أنه عربـي من التأويب والمراد رجعي معه التسبيح وردديه، وقال ابن عطية: إن أصل ماضيه آب وضعف للمبالغة. وتعقبه في «البحر» بقوله ويظهر أن التضعيف للتعدية لأن آب بمعنى رجع لازم صلته اللام فعدي بالتضعيف إذ شرحوه بقولهم رجعي معه التسبيح. يروى أنه عليه السلام كان إذا سبح سبحت الجبال مثل تسبيحه بصوت يسمع منها ولا يعجز الله عز وجل أن يجعلها بحيث تسبح بصوت يسمع وقد سبح الحصى في كف نبينا عليه الصلاة والسلام وسمع تسبيحه وكذا في كف أبـي بكر رضي الله تعالى عنه، ولا يبعد على هذا أن يقال: إنه تعالى خلق فيها الفهم أولا فناداها كما ينادى أولوا الفهم وأمرها، وقال بعضهم: إنه سبحانه نزل الجبال منزلة العقلاء الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا إشعاراً بأنه ما من حيوان وجماد إلا وهو منقاد لمشيئته تعالى غير ممتنع على إرادته سبحانه ودلالة على عزة الربوبية وكبرياء الألوهية حيث نادى الجبال وأمرها.

السابقالتالي
2 3