الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

{ يَٰـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } بيان لحكم من يظهر الإيمان بعد بيان حكم فريقي الكافرين { إِذَا جَاءكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ } أي بحسب الظاهر { مُهَـٰجِرٰتٍ } من بين الكفار، وقرىء (مهاجرات) بالرفع على البدل من { ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } فكأنه قيل: إذا جاءكم مهاجرات { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } فاختبروهن بما يغلب على ظنكم موافقة قلوبهم لألسنتهن في الإيمان. / أخرج ابن المنذر والطبراني في «الكبير» وابن مردويه بسند حسن وجماعة عن ابن عباس أنه قال في كيفية امتحانهن: كانت المرأة إذا جاءت النبـي صلى الله عليه وسلم حلفها عمر رضي الله تعالى عنه بالله ما خرجت رغبة بأرض عن أرض، وبالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حباً لله ورسوله، وفي رواية عنه أيضاً كانت محنة النساء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب فقال: قل لهن إن رسول الله عليه الصلاة والسلام بايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً الخ.

{ ٱللَّهُ أَعْلَمُ } من كل أحد أو منكم { بِإِيمَـٰنِهِنَّ } فإنه سبحانه هو المطلع على ما في قلوبهن، والجملة اعتراض { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ } أي ظننتموهن ظناً قوياً يشبه العلم بعد الامتحان { مُؤْمِنَـٰتٍ } في نفس الأمر { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } أي إلى أزواجهن الكفرة لقوله تعالى: { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } فإنه تعليل للنهي عن رجعهن إليهم، والجملة الأولى: لبيان الفرقة الثابتة وتحقق زوال النكاح الأول، والثانية: لبيان امتناع ما يستأنف ويستقبل من النكاح، ويشعر بذلك التعبير بالاسم في الأولى والفعل في الثانية.

وقال الطيبـي في وجه اختلاف التعبيرين: إنه أسندت الصفة المشبهة إلى ضمير { ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ } في الجملة الأولى إعلاماً بأن هذا الحكم يعني نفي الحل ثابت فيهن لا يجوز فيه الإخلال والتغيير من جانبهن، وأسند الفعل إلى ضمير الكفار إيذاناً بأن ذلك الحكم مستمر الامتناع في الأزمنة المستقبلة لكنه قابل للتغيير باستبدال الهدى بالضلال، وجوز أن يكون ذلك تكريراً للتأكيد والمبالغة في الحرمة وقطع العلاقة، وفيه من أنواع البديع ما سماه بعضهم بالعكس والتبديل كالذي في قوله تعالى:هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } [البقرة: 187] ولعل الأول أولى.

واستدل بالآية على أن الكفار مخاطبون بالفروع كما في «الانتصاف»، والقول: بأن المخاطب في حق المؤمنة هي وفي حق الكافر الأئمة، بمعنى أنهم مخاطبون بأن يمنعوا ذلك الفعل من الوقوع لا يخفى حاله.

وقرأ طلحة ـ لا هن يحللن لهم ـ.

{ وَءاتُوهُم مَّا أَنفَقُواْ } أي وأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور قيل: وجوباً، وقيل: ندباً. روي أنه صلى الله عليه وسلم عام الحديبية أمر علياً كرم الله تعالى وجهه أن يكتب بالصلح فكتب: باسمك اللهم هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين تأمن فيه الناس ويكف بعضهم عن بعض على أن من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليه، ومن جاء قريشاً من محمد لم يردّوه عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأن لا إسلال ولا إغلال، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جندل بن سهيل ولم يأت رسول الله عليه الصلاة والسلام أحد من الرجال إلا رده في مدّة العهد وإن كان مسلماً، ثم جاء المؤمنات مهاجرات، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبـي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أول المهاجرات، فخرج أخواها عمار والوليد حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه في أمرها ليردها عليه الصلاة والسلام إلى قريش فنزلت الآية فلم يردّها عليه الصلاة والسلام ثم أنكحها صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه.

السابقالتالي
2 3 4 5