الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

في قوله تعالى: { إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } نص على امتحان المؤمنات المهاجرات، وكان صلى الله عليه وسلم يمتحنهن: ما خرجت كرهاً لزوج أو فراراً لسبب ونحو ذلك. ذكره ابن كثير وغيره.

وقيل: كان امتحانهن البيعة الآتية: ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن الآية، ومفهومه أن الرجال المهاجرون لا يمتحنون.

وفعلاً لم يكن النَّبي صلى الله عليه وسلم يمتحن من هاجر إليه والسبب في امتحانهن دون الرجال، هو ما أشارت إليه هذه الآية في قوله تعالى: { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } ، كأن الهجرة وحدها لا تكفي في حقهن بخلاف الرجال، فقد شهد الله لهم بصدق إيمانهم بالهجرة في قولهلِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [الحشر: 8] وذلك أن الرجل إذا خرج مهاجراً يعلم أن عليه تبعة الجهاد والنصرة فلا يهاجر إلا وهو صادق الإيمان فلا يحتاج إلى امتحان، ولا يرد عليه مهاجر أم قيس لأنه أمر جانبي، ولا يمنع من المهمة الأساسية للهجرة المنوه عنه في أول هذه السورةإِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي } [الممتحنة: 1] الآية، بخلاف النساء فليس عليهن جهاد ولا يلزمهن بالهجرة أية تبعية، فأي سبب يواجههن في حياتهن سواء كان بسبب الزوج أو غيره، فإنهن يخرجن باسم الهجرة. فكان ذلك موجباً للتوثق من هجرتهن بامتحانهن ليعلم إيمانهن، ويرشح لهذا المعنى قوله تعالى: { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } ، وفي حق الرجالأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [الحجرات: 15]، وكذلك من جانب آخر وهو أن هجرة المؤمنات يتعلق عليها حق مع طرف آخر، وهو الزوج فيفسخ نكاحها منه، ويعوض هو عما أنفق عليها، وإسقاط حقه في النكاح وإيجاب حقه في العوض قضايا حقوقية، تتطلب إثباتاً بخلاف هجرة الرجال. والله تعالى أعلم.

وقوله تعالى: { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّار } معلوم أن المؤمنات المهاجرات بعد الامتحان والعلم بأنهن مؤمنات لا ينبغي إرجاعهن إلى الكفار، لأنهم يؤذونهن إن رجعن إليهم، فلأي شيء يأتي النص عليه؟

قال كثير من المفسرين: إن هذه الآية مخصصة لما جاء في معاهدة صلح الحديبية، والتي كان فيها من جاء من الكفار مسلماً إلى المسلمين ردوه على المشركين، ومن جاء من المسلمين كافراً للمشركين لا يردونه على المسلمين فأخرجت النساء من المعاهدة وأبقت الرجال من باب تخصيص العموم وتخصيص السنة بالقرآن، وتخصيص القرآن بالسنة معلوم، وقد بينه الشيخ رحمة الله تعالى عليه في مذكرة الأصول، وذكر القاعدة من مراقي السعود بقوله:
وخصص الكتاب والحديث به   أو بالحديث مطلقاً فلتنتبه
ومما ذكره لأمثلة تخصيص السنة بالكتاب قوله صلى الله عليه وسلم: " ما أبين من حيّ فهو ميت "

السابقالتالي
2 3 4